دور الأمير يعقوب والراية الزرقاء في معركة كرري 2سبتمبر 1898م… أعده .. دكتور صديق حسن مساعد
مدخل :
• الامبرياليين الاحرار بقيادة لوردروزبري والاتحادين الاحرار بقيادة جوزيف تشمبرلين ولوردهارتنجتون التقوا مع حزب المحافظين بزعامة سولسبري حول سياسة التوسع الاستعماري عكس جناح جلادستون .
• فرنسا بعد إن هزمت ايطاليا رات هزيمة بريطانيا في مستعمراتها خاصة في الهند .
• دزرائيلي أمن مبلغ 4 مليون جنيه من بنك روتشيلد باع به اسهم الخديوي اسماعيل في قناة السويس .
• 1882م بريطانيا تحتل مصر بعد معركة التل الكبير .
• سواكن بين السويس وعدن اصبحت دائرة من دوائر الدفاع عن قناة السويس وطريق الهند وعدن .
• مبدا بالمرستون الدفاع عن قناة السويس من قوة برية خاصة روسيا كان يرى خط الدفاع عنها في تركيا قبرص .
• سالزبوري غادر الوزارة 1880م وعاد لها 1886م – 1892م كانت افريقيا من اولوياته .
• الانتقام والتأثر من السودان كان في الصحافة الانجليزية في شارع الصحافة فليت ستريت .
• المهدية اصبحت مهدداً لامن بريطانيا باعتبارها ثورة دينية واثرها على وادي النيل وشرق البحر الاحمر والسواحل الغربية .
• احتلال يوغندا وكينيا ومصر والعلاقة مع الحبشة في العقدين الاخيرين من القلرن ال19 عبر منهج استعماري ممنهج نحو افريقيا .
• مشروع الاسكندرية الكاب يتقاطع مع مشروع فرنسا داكار جيبوتي .
• شريف باشا يرى الاحتفاظ بالنيل وترك سواحل البحر لانجلترا .
• كتشنر قائد سواحل البحر الاحمر وشرق السودان 1886م – 1888م عقائدي عضو رابطة الراية المقدسة وهي تدعو للحفاظ على العقيدة الدينية .
• كان صديقاً للقائد استيوارت قال ( اذا اصيب استيوارت ساقتل بكل شعرة من راسه رجل) .
• النيل والبحرالاحمر انشأ الانجيليز مكاتب مخابرات في سواكن وحلفا ومكتب مركزي بالقاهرة 1892م.
• 1889م الجيش الانجليزي المصري صار به 10 كتائب مصرية و6 سودانية .
• الغزو كان مقترح من سواكن او الجنوب او الشمال .
• اغسطس 1890م عيد الاضحى 1307ه قال الخليفة انه يريد سلام ولن يهاجم الا اذا هوجم وطلب من الامراء الاهتمام بالزراعة .
• 1890م بريطانيا تتفق مع المانيا ، اخذت انجلترا حوض النيل الاعلى وزنجبار ويوغندا وكينيا وفرنسا المساحة ما بين البحر المتوسط وبحيرة تشاد والمانيا منحت جزيرة هيلفولاند .
• 1890 ايطايا تحتل اريتريا وكان للسنيور كرسبي اطماع في السودان .
• 1890م بريطانيا تحتل هندوب .
• المجاعة على الشرق 1890م وموت الطاهر المجذوب .
• 1802م جاء جلادستون الي الحكم عمره 82 سنة وروزبري وزير الخارجية.
• 1891م بريطانيا تحتل تاماي .
• 1891م كتاب ونجت باشا المهدية والسودان المصري .
• 1892م كتاب الاب اوهر ولدر
• 1891م احتلال طوكر .
• 1892م وفاة الخديوي توفيق وخلفه عباس عمره 18 سنة.
• 1992م عين كتشنر سردار للجيش الانجليزي المصري .
• 1892م بلجيكا تحتل غرب النيل الابيض الي فشودة .
• 1893م استقال جلادستون وجاء روزبري .
• 1894م احتلال ايطاليا لكسلا .
• 1895م سرت معلومة إن فرنسا تتجه الي اعالي النيل .
• 13 مارس 1896م اوامر غزو السودان وليوبولد دخل بحر الغزال .
• 1894م – 1904م خسائر عسكرية لدول اوروبية ، ايطاليا هزمت من الحبشة اسبانيا هزمت في كوريا والفلبين وروسيا هزمت من اليابان في منشوريا .
• 15 مارس 1896م سالسبوري يسلم سفراء فرنسا والنمسا والمانيا وروسيا وايطاليا في لندن اسباب حملة السودان .
• 1898م زيارة قيصر المانيا الي القدس اثارت مخاوف انجلترا وفرنسا وروسيا .
• 1895م مجلس العموم البريطاني يأكد على تامين اعالي النيل واعتباره مسالة رئيسية في السياسة الخارجية ودحر نفوذ فرنسا حسب مقترح السنغال داكار .
• 1897م ايطاليا تسلم كسلا لانجلترا .
• فرنسا عملت مع اثيوبيا من الشرق والغرب لغزو السودان .
• بعد النخيلة 1898م جاءت تعزيزات لكتشنر 25800 جندي 44 مدفع ميدان و20 مدفع ماكينة على الارض 10 زوارق حربية 36 مدفع على الزوارق 24 مدفع ماكينة كانت اكبر قوة وضعت في افريقيا حتى ذلك الوقت .
• 1898م الجنرال جورج ديوري يحطم الاسطول الاسباني في مانيلا وجوام .
• 1898م منيلا يرسل وفد للخليفة .
• 1898م مارشالن يصل فشودة .
دور الأمير يعقوب والراية الزرقاء في معركة كرري 2سبتمبر 1898م
اعداد / صديق حسن مس دكتوراة جامعة النيلين
مما لا شك فيه أن الراية الزرقاء كانت اكبر قوى بشرية في جيش الدولة المهدية من حيث الكثافة البشرية الامر الذي وسع كثيرا من صلاحيات قائدها أو بالاحرى وكيلها الامير يعقوب وزاد من سلطته لا سيما وأن للسلطة ضرورات كما ذكرت دكتورة هدى ( السلطة هي القدرة على التاثير فعليا على الاشخاص باللجوء الي مجموعة من الوسائل تتراوح بين الاقتناع والاكراه )(1) فلقد كانت سلطات الامير يعقوب متسعة الي درجة تكاد تكون كل ملفات الدولة تحت سلطانه كما يذكر ذلك دكتور شحاتة ( اتسعت سلطات يعقوب حتى شملت العاصمة كلها وما تبعها من عمالات في اخريات عهد المهدية فضلا عن سلطته المتطورة أيضاً فيما يخص بيوت المال وساعد على هذا التطور الاخير في سلطات يعقوب بدء العمليات العسكرية من جانب مصر لاستعادة السودان وانتقال محمود احمد بقواته من الغرب الي الحدود الشمالية )(2) وحينما لاحت في الافق طلائع قوات الغزاة اعلن قائد الراية الزرقاء التعبئة الشاملة وبدأ في بث الرسائل الي كل الجهات للحضور الي عاصمة البلاد ( من يعقوب بن محمد الي عبدالمجيد عفيف وأبو عبدالله جودفات حيث لا يخفاكم إن الجهاد في سبيل الله تعالى أمر فرض على كل مؤمن والان قد حل أوانه ومن الضروري طلب الاخوان جماعتكم المتعينين بالجزيرة وخلافه لمركز الفلاح هنا .
أيضاً شملت هذه الدعوة التعبوية وحشد القوات حتى قضاة الشرع ربما لدورهم في التعبئة وحث المقاتلين على الجهاد وتبصيرهم بما أعده الله للمجاهدين من يعقوب بن محمد الي النذير خالد ومن معه من الاخوان قضاة الشريعة)(3) .
وفيما يبدو لقد توسعت صلاحيات وكيل الراية الزرقاء في السنتين والاخيرتين من عمر الدولة المهدية بحكم المواجهات العسكرية ودور الراية الزرقاء فيها كما قال بذلك دكتور ابراهيم شحاتة (( والواقع إن يعقوب في السنتين الاخيرتين صار بحق ممثل الخليفة ونائبه في الادارة وتعدت مراسلاته في هذه الفترة من العمالات والادارات المختلفة ومختلف الموضوعات الادارية ))(4).
وفيما يبدو ان الراية الزرقاء ظلت ذات دور مميز منذ انطلاق الثورة المهدية وظل دورها في حالة تعاظم حتى إن الامير عثمان ادم جانو كتب منشورا حينما كان عاملا على الغرب يوضح فيه ما التبس على بعض الانصار في حق الراية الزرقاء فلا تقول لها الراية الزرقاء اصلا ونبهو لكافة جماعتكم بذلك والحاضر منكم يبلغ الغائب بترك هذه اللفظة ومن يقولها بعد التنبيه لابد من محاكمته لدى الشريعة وتنفيذ الحق فيه وانما قولوا لها البرنجية وقولوا الراية الكبيرة لانها بالنسبة الى رفعها أكبر واما الراية الزرقاء فهى راية سيدى يعقوب ولا يصح التشبه بها وايضا لاتوجد شروطها ولايسهل وجودها ولا سيما في التسمية عدم الادب مع السيادة))(5) .
ايضا كان بحكم مسؤليات قائد الراية الزرقاء التزامات كبيرة بحكم انها كانت تضم أكبر حشد عسكري لقوات المهدية الامر الذي جعل للامير يعقوب التزامات اخرى تجاه هذه الحشود فيما يتعلق باعاشة وغيره ولقد ذكر ذلك احد شهود العيان الا هو محمد عبدالرحيم في أوراقه ، ((كانت للامير نفقات هائلة وهي أشبه شئ بنفقات ملوك العرب قديما كانت له تكية تشغل المنطقة الواقعة بين بيت الامانة وجامع المهدي أي امام مدرسة الاحفاد بامدرمان كان المرتب الذي يخرج يوميا من الطعام 500 قدح وكان القدح يكفي لاطعام 10 اشخاص أي بمائدته يوميا 5000 رجل ما بين صلاتي الظهر والعشاء وما كانت الاطعمة من نوع واحد بل كانت تختلف في مادتها فكنت تجد بها كل أنواع اللحوم عدا الطيور والاسماك اما ايراد الامير يعقوب فكان عبارة عن هدايا من الماشية والنقود وكميات اخرى من الذرة والقمح والبلح تأتيه من امراء الجهات واعيان البلاد وكانت له شونة في مكان منزل العمدة عباس رحمة يتولى استلام الوارد ويباشر الصرف وكان للامير يعقوب ديوان به لفيف من الكتاب اسماءهم :
محمود علي الاحيمر مصري من اسوان
عمر افندي الصادق رباطابي
عبدالحليم احمد مصري
عبدالقادر محمد الامين جعلي
بابكر عبد الرحيم جعلي
الاسيد محمد البرماوي جعفري
احمد عبدالحميد مصري
حامد ابوبكر فلاتي
بانقا موسى يعقوبابي رئيس الديوان ))(6)
ايضا من هذه الالتزامات التي يقوم بها الامير يعقوب تجاه الراية الزرقاء فنجد احيانا بعض الامراء يتقدمون بالتماسات الي بعض اخوتهم لتقديم دعم الامير يعقوب حتى يفي بواجباته كما جاء في خطاب الامير ابراهيم الخليل احمد الي شقيقه المكرم محمود احمد لدعم نفقات الامير يعقوب (( بعد اهداء سلام أرق من النسيم واسداء تحيات ممزوجة بالتكريم واداء ما يليق بمقامكم من التبجيل والتعظيم نبدي اليكم إن المتعلقين بسيدي يعقوب من الضعفاء والمنقطعين وعوايل الغزاة والمجاهدين فضلا عن الاقارب والعشيرة مما يخفى عليكم حالهم وكان جهة المكرم الزاكي طمل بفشودة حاصلة منها المساعدة والان غير موجودة جهة يحضر منها شئ للمساعدة على ضروريات المذكورين وسيدي يعقوب في تعب شديد لراحتهم وجبر خواطرهم ، مع كثرهم وما دام المولى يسر لكم الفتوحات وحصلت نصرة الدين والغنائم موجودة بطرفكم فليكن منكم الالتفات لهذا الامر والمبادرة بالارسالية فانه يجب التقديم له على كل امر وحررنا لكم هذا بالتذكرة فلا يكون لكم شئ لأنكم تعلمون ذلك وأنتم أدرى بها هناك والسلام))(7) هذا يؤكد إن الراية الزرقاء وزعيمها الامير يعقوب كانت تضم أعداد كبيرة من كل شرائح المجتمع الامر الذي فرض على وكيل هذه الراية الكثير من الالتزامات المعيشية وغيرها باعتبارها تضم كثير من الجموع المعسكرة وغير المعسكرة كما ذكر ذلك الاستاذ عزام ابوبكر ((جعل الخليفة لأخيه يعقوب الاشراف الكامل على الجيوش .الاشراف الكامل على الجيوش))(8) .
حقا كانت الراية الزرقاء اكبر قوة مجيشة في السودان الامر الذي جعلها تلعب دورا مميزا في طوال عهد الدولة المهدية لا سيما في العاصمة باعتبارها قوة الاحتياط الاول لدعم كل جبهات القتال في كل الاتجاهات الساخنة والباردة أيضا يبدو إن امر العاصمة كان من صميم التزامات الراية الزرقاء وكانت تخرج في العرضات لابراز هيبة الدولة وارسال رسائل الي جهات اخرى بأنها قوة ردع وتأمين لهذه الدولة (( تأتي في مقدمة العرضة الراية الزرقاء تتقدمها الطبول محمولة على الجمال وهي تدق بعنف شديد تليها الراية الخضراء ثم الراية الصفراء راية الخليفة شريف وراية حلو وشريف لا تتقدمها الطبول))(9) .
ايضا كانت هناك قوة من الفرسان ترابط في دوماً في العاصمة من الراية الزرقاء لا يسمح لهم بمغادرة العاصمة (( كان يقيم في المدينة 550 فارساً من فرسان الراية الزرقاء اقامة دائمة لا يسمح لهم بالابتعاد عنها بقدر يزيد عن المسافة التي تقطعها الخيل في يوم واحد))(10).
كذلك حتى وسائل النقل العسكري السريعة بحكم احتياجات ذلك الزمان ((كانت للراية الزرقاء قوة مرابطة بامدرمان كان هناك نحو 250 جمل يتبع للامير يعقوب ))(11) أي إن هذه الراية كان لها وضع خاص بحكم وضع وكيلها كما ذكر ذلك الاستاذ زلفو (( كان للراية الزرقاء وضع مميز فلم تكن وحدة قتالية عادية عادية ففي البداية كانت الراية الزرقاء هي كل جيش المهدي ثم أصبحت الراية الرئيسية لكل الجيش ولما قسم الجيش الي ثلاث رايات اصبحت تضم مقاتلي الغرب والسودان ولما قسم الجيش قتالياً لمناطق وأصبح الملازمين هم القوة الضاربة تحولت الراية الزرقاء الي شبه تجمع للجيش الاحتياطي الذي يستدعي كلما حتمت الظروف استدعاءه وهناك عاملان مهدا لذلك الوضع أولهما : أميرها يعقوب كان هو القائد العام لكل الجيش وهو الذي يصدر اوامر استدعاء الاحتياطي ’ ثانيهما : كان تصفية والغاء الراية الصفراء فقد أضعف كل مقاتليها فأصبحت الراية الزرقاء تضم كل العناصر))(12) .
((ولقد حوت الراية الزرقاء الكثير من القبائل التي عملت تحت هذه الراية ولقد ذكر نعوم شقير الراية الزرقاء كان بها اكثر من 43 قبيلة))(13) .
((ولقد احصى سلاطين باشا عدد القوات التي كانت ترابط بامدرمان وتحت قيادة الامير يعقوب جيش امدرمان تحت امر يعقوب من اربعة الاف من المشاة وثلاثة الف خمسمائة فارس واربعون الف من حاملي الحراب والرماح ومخزن به 46 مدفعاً واربعة الف بندقية))(14) .
ولقد اورد الاستاذ شبيكة راياً مفاده إن كل القوات تكاد تكون تحت امرة الامير يعقوب ( تركز الجيش كله تحت امرة يعقوب ))(15).
لكن الواضح إن قوات المهدية ظلت في حالة مواجهة تكاد تكون شبه دائمة طوال عهد المهدية بسبب الحروبات الخارجية والمشكلات الداخلية ولقد ذكر الاستاذ زلفو راياً مشابهاً لهذا (( ظل جيش المهدية في حالة قتال متواصل منذ 7 اغسطس الي 2 ديسمبر 1898))(16) .
بل دخل الجيش في معارك ضخمة ((خاض جيش المهدية ما يزيد على الخمسين معركة كبيرة في اقل من عشرين عاما ))(17) ((ولقد تعجبت بعض الكتابات التي تناولت الثورة المهدية حول هذه المقدرة القتالية لقد تعجب كثير من الكتاب والمؤرخين الاجانب كيف تمكن الخليفة من تسليح اكبر جيش افريقي في ذلك الوقت زاد تعتاده عن النصف مليون مقاتل علماً بأن تسليح جيش بمثل هذا العدد الضخم يعتبر عملا كبيرا ومرهقا حتى بالنسبة للدول الحديثة في القرن العشرين))(18) .
ولقد ذكر الاستاذ زلفو جانب هذه العمليات وحشودها (( خاض جيش الخليفة معارك كبرى طيلة ال15 سنة من 50 معركة بحشود ما بين خمسين ومائة الف مقاتل مثل معركة الابيض والخرطوم وشيكان والقلابات ودبرسين وعشرات المعارك بحشود تتراوح بين 10 الي 50 الف وحملات دارفور وابو طليح وكسلا وعطبرة ..الخ))(19)
ما قبل المعركة :
بعد معركة النخيلة وتقدم قوات السردار كتشنر صوب عاصمة الدولة المهدية كان وضع دولة المهدية في حالة استنفار كبرى لدحر هذا الهجوم القادم من الشمال عبر النهر والبر بالدواب والسكة حديد فكانت الدولة في حالة اجتماع شبه دائم كان للخليفة مجلس خاص يجتمع اليه بعد العشاء في منزله ويحضر هذا المجلس يعقوب بن محمد وابنه عثمان وقاضي الاسلام وامين بيت المال وشيخ السوق وهذا المجلس هو القوة القابضة على اخص امور الدولة واخطرها وهنا ياتي بعد الخليفة في الهرم الاداري واخيه يعقوب فجعله وزيره ووكيل الراية الزرقاء ومدير اشغاله الحربية والمالية وعن طريق تلك السلطات وضع يعقوب يده على كثير من مقاليد الحكم ))(20) أي ان عبء الاعداد لهذه المعركة الفاصلة يكاد يقع جله على كاهل الامير يعقوب كما ذهب الي هذا الدكتور ابوسليم (( يعقوب كان جهده مكرساً في مجال الجيش والسياسة))(21) كل الاستعدادات التي ذكرت سابقاً استعداداً للمعركة القادمة التي بدأ عدها التنازلي مع تقدم قوات كتشنر التي عبرت خانق السبلوكة (( عبر الجيش الزاحف مدعم بالمدفعية القوية منطقة السبلوكة دون مقاومة تذكر))(22) .
امام كل هذا لم يبق الا المواجهة النهائية ولقد كانت هناك اراء حول شكل المواجهة فكان هناك راي يري إن يتم الهجوم ليلاً وقيل إن الامير يعقوب كان يميل الي هذا الراي وكان الشيخ الدين ابن الخليفة واخرين يرون الهجوم نهارا كل هذا ومخابرات الدولة ترسل التقارير كل ساعة الي مقر القيادة (( نصل الي خلاصة إن عبدالله نصح للقيام بهجوم ليلي إن قلة من الناس تدرك اكثر من نتيجة مثل ذلك التكتيك فعلى صعيد الالتحام كانت حشود الدراويش اكثر من صنو لاقوى جيش اوربي مدرب بخفة الحركات والصمت وهم ينتشرون في الارض بسرعة تزيد اربع مرات او خمسة مرات على القوات المدربة اعتاد كل رجل عندما تحين لحظة الهجوم يتثنى ويتحرك بكل مرونة في خفة القط متعطشاً للدماء كالفهود الجائعة))(23) لم تقف قوات الخليفة مكتوفة الايدي وقوات كتشنر تتقدم فلقد كانت التقارير تترى على مقر القيادة ((إن الامير عبدالباقي عهد اليه الخليفة ويعقوب بمهمة ملاحقة سير الجيوش المتقدمة وارسال المعلومات عن أي تحرك لامدرمان وما كانت هناك ابداً استخبارات افضل خدمة مما اتاحه عبدالباقي لقد كانت رسله تصل كل بضع ساعات في الايام الأولى ثم كل ساعة ناحية النهاية))(24) .
قبل يوم المعركة عرض الجيش امام الخليفة كما ذكر ذلك ((يوسف ميخائيل الراية الزرقاء ام الدين راية سيدنا عزائيل الذي عليها مدار الامر عليها الامير يعقوب واقفين وشايلين التهليل ..))(25) في هذا الاستعراض الحربي للقوات كان الامير يعقوب امام هذه القوة باعتباره القائد العام يود إن يرفع تمام القوات الي القائد الاعلى خليفة المهدي ((استعراض الخليفة جيشه قبل المعركة وتقدم يعقوب منذ رؤية موكب الخليفة واستقبله وكان اول من حياه وبشره بالخير وركب يمينه ومضى معه لاستعراض جيشه))(26) .
وبعد هذا الاستعراض وبعد إن ارخى الليل سدوله على المكان (( دخل عليه يعقوب وظلا سوياً الي ساعة متأخرة من الليل وبعده دخل عليه مجلس شوراه))(27) ثم كان الاجتماع التالي عصر الخميس كما ذكر الاستاذ زلفو ، عصر الخميس عقد الخليفة مجلسه الاستشاري للاستشارة الاخيرة وكان فيه ود حلو والخليفة شريف والامير يعقوب والسيد المكي والطيب العربي وود ام مريوم وكركساوي وعبدالله ابو سوار وكان الاقتراح بالهجوم ليلا من الامير جابر الطيب الدنقلاوي ووافق على اقتراحه وأيده احمد عبدالكريم والامير يعقوب))(28) .
كذلك استدعى الخليفةقادة التشكيلات الي اجتماع لوضع اللمسات النهائية ثم انعقد مجلس قادة التشكيلات وحضره الامير يعقوب وعثمان دقنة واحمد عبدالكريم وعبد الله أبو سوار وشيخ الدين وابراهيم الخليل ويونس الدكيم وعثمان ازرق وعثمان الدكيم ومحمد ود بشارة))(29) .
في ليلة المعركة وبعد إن انتصف ليل 1 سبتمبر استدعى الخليفة امراء الرايات الثلاث يعقوب ، عبدالله ابو سوار احمد عبدالكريم (( سأل الخليفة الامير يعقوب قائلاً يعقوب اوصيت بعدك منو في امارة الراية الزرقاء ؟ فأجابه يعقوب اوصيت بعدي المقدم جديد او الامير يعقوب ابو زينب وسأل الخليفة عبدالله ابو سوار نفس السؤال فرشح ود برجوب للراية الخضراء او عجب الفيه وسأل احمد عبدالكريم فرشح عبدالصمد حاج شرفي فوافق الخليفة))(30) .
امام هذه الواقعة كانت الراية الزرقاء تستعد لهذه المواجهة ((حشدت الراية الزرقاء 12 الف جندي ارتكزت خلف جبل سركاب))(31) .
تقدمت قوة مكونة من 8200 جندي بريطاني و 17600 من الجنود والضباط المصريين والسودانيين الي امدرمان وفي فجر الثاني من سبتمبر قابلتهم قوات الخليفة بين النيل وجبل كرري))(32) .
ذكر صاحب كتاب حرب النهر واحد شهود العيان عن تلك ((اللحظات حشد الخليفة لمعركة كرري حوالي 60000 رجل في امدرمان ونذكر إن كل الانتصارات السابقة على المصريين تحققت بمبادرة الدراويش في الهجوم وكان يعرف كل الهزائم التي منيوا بها حديثاً حدثت عندما اتخذوا موقف دفاع لذا قرر ان لا يواجه الهجوم في السبلوكة وان يراهن بكل ما لديه في معركة عظيمة على سهل كرري))(33) .
كان بين هذه الجموع التي خرجت فجراً لملاقاة ودحر قوات الغزاة قوات الراية الزرقاء بقيادة يعقوب ((في مؤخرة الجميع زحف الامير يعقوب برايته السوداء و 13000 رجل كلهم تقريباً من حملة السيوف والرماح))(34) .
المعركة ودور الامير يعقوب :
لقد اكدت الاحداث إن الثورة المهدية شقت طريقها بالحسام والدماء والعرق وحافظت على دولتها ايضا بجهد شاق من الالتزامات المادية والبشرية والمواجهات كما ذكر ذلك ((الاستاذ زلفو تلك الثورة ولدت بحد السيف وعاشت بحد السيف وقضي عليها بحد السيف الا اننا لا يمكن إن نتجاهل المؤثرات الاجتماعية التي ساهمت في خلق الظروف التي احاطت بالمعركة))(35) كان فيما يبدو حول خطة المعركة التي وضعها الخليفة عبدالله ورجاله وكما جاء في كتاب كرري إن خطة الخليفة التي قرر إن يخوض بها معركة ((كرري لم تكن الا تكراراً لمعركة شيكان بل انه طوع الظروف ليتمكن من خوضها بتلك الطريقة))(36) .
هناك راي او اراء حول قيادة الامير يعقوب وامكانياته وقدراته العسكرية أي التقييم العسكري للامير يعقوب فقال عنه زلفو ( التقييم العسكري ليعقوب كقائد في الميدان فقد توافرت له خبرة قتالية لا يستهان بها وابدي كفاءة منقطعة النظير في شيكان والخرطوم كما إن مسئولية القيادة العامة للجيش لمدة طويلة مكنته من الاحتكاك وتقييم المقدرة القتالية لجنوده))(37) .
كانت هناك واجبات والتزامات يقوم بها قادة القوى الرئيسية لقوات الخليفة ومن هذه المهام ((كان دور الامير يعقوب كان واجب يعقوب هو تعزيز وتقوية أي ضعف يظهر في مواجهات الهجوم الامامية))(38) ايضاً كانت هناك بجانب هذا الالتزام تجاه قائد الراية الزرقاء في الضفة الغربية للنهر باعتبارها ارض المعركة كانت هناك ثغرة في الضفة الشرقية للنهر بسبب قوات العربان المتحابة ((الضفة الشرقية كان الامير عيسى زكريا في موقف حرج فقد كان عين الامير احمد فضيل بجيشه للدفاع عن الضفة الشرقية لكنه تاخر في الحضور فوجد الامير عيسى زكريا انه سوف يواجه قوى من حوالي ثلاثة الف مقاتل فعبر النهر لمقابلة يعقوب وبسط المشكلة امامه وهي مواجهة القوة الاتية من الشمال وادارته للمدفعية ضد اسطول العدو اضافة لقيادته لطابيتي توتي لكن يعقوب اقنعه بانه سوف يهرع الي مساعدته مجرد الانتهاء من امر هذا العدو))(39).
في فجر سبتمبر كان يوم الواقعة ((فجر 2 سبتمبر ادي الخليفة صلاة الصبح واخذ مكانه في تبة عالية خلف الراية الزرقاء فأحضرت وغرست امامه ))(40) اما الامير يعقوب قائد الراية الزرقاء فلقد صوره الاستاذ محمد سليمان قائلاً ( امتثلت في ناظريه أي الخليفة صورة اخيه يعقوب يرتدي من الثياب افخرها ويخرج الي الموت في اجمل صورة وانضرها على ظهر جواده يلوح بسيفه في الفضاء ويصيح مباهياً بلقاء الموت وقد ادرك نهايته وافول نجم دولة :
الطير في السماء يقول قوقو
يا ماكل حلوها مرها ضوقوا
دمس ليلنا وحلق طيرنا
الما بدور الموت اليشوف غيرنا ..))(41)
في هذا الوقت وكما ذكر يوسف ميخائيل قبل المعركة بلحظات ارسل الخليفة الي الامير يعقوب واورد ميخائيل هذه الحادثة ، ارسل الخليفة وطلب أخوهو يعقوب وقال له الراية ينزل بها ولد الدكيم وانت احضر داخل القلعة عند ذلك قام الامير يعقوب غضبان وقال انا عبدك يا رحمن وضرب طلب الحرب وكان حضوره من اخيه عندنا وقال يا يوسف هذا يوم شنو ؟ قلت يا سيدي هذا اليوم الذي يرضاه الرحمن ليس عندنا الا الحرب والقتال))(42) .
كل هذا وامير الراية الزرقاء ومن خلفه جنده يترقبون ساعة الصفر للهجوم ولقد كانت هذه الراية تحوي الكثير من القبائل بين احشائها ((حوت الراية الزرقاء حوالي 52 قبيلة وفرع قبيلة))(43) وبدأت المعركة بين قوات الخليفة وقوات كتشنر بدأت البلاغات تتوالى بأن العدو تقدم نحو امدرمان وها هو مكشوف في السهل العريض بلا خنادق لتحميه او بوارج لتسنده ((وحانت لحظة دخول الراية الزرقاء لكن كان يجب هجوم الراية الزرقاء تحت غطاء نيران شيخ الدين لكن شيخ الدين كان بعيداً جراء مطاردة الخيالة))(44) .
ولقد اورد السيد تشرشل حركة قوات الراية الزرقاء يوم المعركة قائلاً:
((تدفق جميع احتياطي الخليفة المؤلف 15000 رجل بقيادة الامير يعقوب تحت الراية السوداء والحرس وكل مفاخر دولة الدراويش فاصدر السردار اوامره لجميع الاولوية والفصائل باعادة التشكيل بحيث صارت تطوق الامير يعقوب تقريباً وهاجمته هجوماً شرساً))(45) . ولقد ذكر الاستاذ زلفو هذه اللحظات من المعركة ((قائلا امضى يعقوب نصف الساعة الاخيرة في اعادة تنظيم صفوف رايته ومعه 51 راية تشمل 49 قبيلة اما القادة المباشرون فكانوا 151 اميراً و269 راس مية .. كذلك كان موقع يعقوب خلف جبل سركاب ملجأ للجرحى وحملة الموتى وبقايا هجمات المرحلة الاولى استدعى يعقوب امراء الرايات واوضح لكل منهم مكانه ووقفت قوته في مواجهة طولها 4000 ياردة وخلفها 23 صف من الجنود))(46) .
كل هذا والخليفة كان يراقب الموقف كما ذكر تشرشل ((ادرك الخليفة الذي كان يراقب عن كثب انها معركة خاسرة لانه عندما امر يعقوب بمهاجمة اللواء الاول كانت فرصة النجاح الوحيدة تتوقف على قيام الاميرين ود ابو سوار وشيخ الدين بالهجوم في نفس الوقت وادرك بغضب والم مريرين انه على الرغم من إن الرايات كانت تجتمع الان أسفل تلال كرري كان شيخ الدين متأخرا جداً))(47)
استشهاد الامير يعقوب :
يبدو إن شيخ الدين الذي كان يقود اكبر قوة برية مسلحة في المعركة ولكنه فيما يبدو لم يكن قريبا حينها لان العمليات العسكرية بها شي يسمي العمل المتزامن أي التزام كل قائد بالخطه تطبيقاً زماناً ومكاناً ((وقف يعقوب وقد نفد صبره وهو يري العدو يمر امامه وهو لواء ماكدونال لكن اندفع محمد المهدي بالجناح الايمن للرايه الزرقاء واندفع خلفه عثمان الدكيم ومحمد ود بشاره الي أن سقط هو وفرسانه كل هذا ويعقوب نفد صبره في انتظار هجوم شيخ الدين لتطابق الهجومان ثم جاء علي الجله علي يعقوب بتعليمات الخليفه بأن يسلم الرايه لود الدكيم ويبلغ رئاسه الخليفه في المؤخره فرأي جثة مغطاهة بعمامه فكانت جثة الخليل فرفع حربته عالياً وصاح في الانصار يا أسفاه انحنا يانا فوق خيلنا وماسكين رايتنا تبلدية وقعت فوق الكفار تبلديه وقعت ارفعوا رايتكم وأطلقوا خيولكم))(48).
ولقد ذكر هذه اللحظات ايضاً احد شهود تلك الحقبه ألا وهو السيد محمد ((خطب اتباع رايته الزرقاء خطبة حماسية حضهم فيها علي الجهاد والصبر علي المكاره ثم لوي عنان جواده وضرب لهم الرقم القياسي في البطولةوعدم الأكتراث بالموت))(49)
((انطلق الأمير يعقوب بقلب لا يعرف الوجل تجاه الأعداء رغم عدم وجود النيران التي كان يجب أن تقوم بتغطية هجوم قواته “انطلق يركض بجواده وهو يكرر تبلديه وقعت فوق الكفار علي طول مواجهة الصف الاول ثم عاد الي مكانه الاول واتجه جهة الشمال الشرقي نحو العدو ورفع حربته عالياً ولكز جواده .
وانطلق عبر السهل الواسع نحو لواء ماكدونالد فانطلقت الراية الزرقاء خلفه انطلق يعقوب تجاه العدو بسرعة كان كان يسبق الصف الامامي بمسافة غير قصيرة غير مبال بقذائف المدفعية التي انهالت على الراية الزرقاء بتركيز شديد من الامام وتحت شدة الانفجار والدوي العالي والغبار والشظايا يقف جواده لثواني الي إن يتبدد اثر الانفجار فيلكزه مرة اخرى وحربته مشرعة عالية امامه وخلفه 12 الف رجل))(50) .
هنا وفي هذه اللحظة الحماسمة في تاريخ الشعب السوداني تسلءل الاستاذ عصمت زلفو قائلا اين كان شيخ الدين(( اين كان شيخ الدين اخيرا قبل العاشرة بدقائق شوهد بضعة افراد بين فتحات جبال كرري كانت طلائع شيخ الدين المنهكة في وقت دمرت فيه نيران العدو معظم قوة الراية الزرقاء فلقد كان مقرراً إن يتم هجوم شيخ الدين وعبدالله ابو سوار متطابقا مع الراية الزرقاء فلقد كان مقررا إن يتم هجوم شيخ الدين كان هجوم الراية الزرقاء يلفظ انفاسه الاخيرة بسبب مطاردة شيخ الدين لخيالة برود وود))(51) .
يبدو إن اندفاع الامير يعقوب ومن خلفه رجال رايته كان هدفا واضحا لمدفعية واسلحة قوات الغزاة فصوبوا كل نيران اسلحتهم لهذا الفارس المندفع غير مبالي بالموت اصيب الامير يعقوب وهو على صهوة جواده من مجموعة رشاش فسقط على الارض وظل ممسكاً حربته بعد إن توفى يعقوب في مقدمة الراية الزرقاء منذ بداية الهجوم الي إن اصيب وكان سقوطه على بعد 600 ياردة من الصف الامامي لجنود ماكدونالد فلقد كان الرصاص ينهال من ثلاثة الوية على الراية الزرقاء))(52) .
ولقد اكد ماكمايكل ((بأن هذه القوات المتقدمة للهجوم واجهت نيران كثيفة يتموجون كالسيول وطبولهم تدوي ورايتهم ترفرف ثم اندفعو يلهبهم حماس التعصب ليحصدوا بالالاف بنيران البنادق المتواصل))(53) .
فيما يبدو كانت مواجهة الراية الزرقاء لقوات مكادونالد غير متكافئة من ناحية التكتيك العسكري حيث تقدمت قوات الامير يعقوب تكاد تكون مكشوفة دون غطاء نيران يسهل لها عملية الهجوم والاقتحام كما ذكر ذلك الاستاذ زلفو (( الساعة 10 بدأ واضحاً إن الهجوم يلفظ انفاسه الاخيرة وحينها بدأت قوات شيخ الدين وأبو سوار تلوح في الافق وسقط معظم امراء الراية الزرقاء شهداء في ارض المعركة وهم الامير يعقوب ، الزاكي عثمان ، عثمان الدكيم ، محمد ود بشارة ، محمد المهدي الامير ابا بسام ، مساعد ادريس ، عبدالرحمن تاماوي ، قدح الدم ، الغالي جودة ، عبدالرحمن علي ، ازرق جبريل ، الطاهر مكي ، عبدالسيد موسى ، احمد ابوجديري ، دنيا ابراهيم ، احمد حمدان ، محمد ود نوباوي ، عوض السيد قريش ، خيرالله ، ابوبكر محمد الامين ، جادالله عيسى ، احمد حمدان العركي ، سليمان كشة))(54) .
من قوات المهدية على أرض المعركة ولقد وصف احد المراسلين هذه المذبحة ونشرها على صحيفة الوقائع المصرية في ((عددها 2572 ، 18 سبتمبر 1898م غرة جماد الاول 1316ه مراسل حربي كتب المستر بيرلي مكاتب الدلي تلغراف في رسالة ضافية حول موقعة امدرمان تحت عنوان شجاعة المصريين والسودانيين امدرمان السبت 3 سبتمبر بعد الظهر اصبحت في استطاعتي ان ابعث لكم شرحا وافياً عن اليوم الثاني من واقعة امدرمان ولا يخفاكم انه لم يكن في الامكان ارسال ذلك في يوم الواقعة نفسها بسبب الخطر الشديد على المراسلات واليكم الشرح الوافي عن حملة الدراويش الذين هاجمونا اول يوم كان التعايشي برجاله مستعدا للقتال فاندفعوا كالسيل الجارف الي الامام الا إن المصريين والسودانيين قابلوهم بشجاعة وكان الدراويش يقدمون انفسهم للموت قرباناً بدون أدنى اكتراث ، حمل الدراويش حملة اخرى حيث كنا نراهم على بعد كخط واحد غاية الانتظام تلمع السيوف والحراب في ايديهم لمعان الكواكب وفي مقدمتهم حوالي ألفين او ثلاثة الف فارس على صهوات الجياد ومن خلفهم المشاة مندفعين بينما كان كل جندي من جنودنا يشاهد بعينه هذا الاقدام منبهراً مندهشاً وكيف ان هولاء الفرسان يتقدمون الي الموت بهذه البسالة العجيبة واهتز الجند بالاعجاب العظيم بهولاء الفرسان الكواسر فأطلق عليهم جنود اللواء مكدونالد النار ثم صاروا يسقطون واحداً بعد الاخر حتى لم يبق من ذلك الركب العظيم سوي 12 فارساً ظلا يتجاولون ثم تطايروا الينا مفوقين رماحهم ومرقعاتهم ترفرف في الهواء ولكن صاروا يسقطون واحدا بعد الاخر حتى كان اخرهم وعندئذ انتهى دور الفرسان وقد غصت الارض باجسادهم وهم بكل ما مضى لم يثني من عزيمة رجال التعايشي الراجلين بل هو قد زادهم حماسة واقداماً وكأنما نيران حب الانتقام اتقدمت في صدورهم فساروا الي الامام اخذين السهل عرض وجوههم مطالبين بثأر اولئك الفرسان البواسل وقد ظلوا هكذا لا يلوون على شئ وهم زاحفون على جنودنا ولكن لحسن حظنا كانت مراميهم عالية فكان رصاصهم يتطاير فوق رؤوسنا بغير جدوى وكانت هذه حملة الخليفة الاخيرة تخفق في وسطها رايته السوداء وقد اخذت مدافعنا وبنادقنا تصب عليهم نيران حماية حتى قطعت صفوفهم ولا سيما المدافع التي كانت على مرتفع مطل على الوادي))(55) .
لقد ظلت الراية الزرقاء شامخة في ارض المعركة رغم كثافة النيران التي صليت بها الا ان حملة الراية الزرقاء ظلوا اوفياء لها في الحياة وبعد الاستشهاد فظلت تخفق في اباء وشمم ونورد هنا رأي احد الاعداء وهو مراسل حربي للديلي تلغراف في رسالته حول هذه المعركة ، شاهدنا بعد ذلك منظراً من اعظم مشاهد القتال شجاعة واداماً واخلاصاً لا مثيل له في تاريخ الامم وفي خيالات القصص والروايات كانت الراية السوداء المنقوشة ببعض الكلمات الدينية تخفق وحولها يسقط الدراويش زرافات ووحداناً صرعى بقنابل مدافعنا ورصاص بنادقنا وبقيت الراية فقط وقد قضيا بجانبها وكل واحد قابض عليها بيده اعزلين من السلاح مواجهين للنار ثم سقط احدهم مصابا برصاصة ولكنه بعد سقوطه تجلد وقام على ركبتيه فأمسك الراية مع رفيقه وظل كذلك حتى تشحط في مده مسلماً روحه مفارقاً الحياة عند ذلكفارق الراية وبقى رفيقه قابضاً عليها بيده اليسرى وموالياً بوجهه نحونا لا يتحرك كأنه تمثال من صخر لا يتأثر وانتهت الواقعة وبعد انتهائها سرت بنفسي لأتفقد محل الواقعة فرأيت اكثر من ثلاثين فارساً مجندلين حول الراية ورأيت الذي بقى اخرهم وفي جسده اكثر من 20 رصاصة اصابته))(56) .
بهذه اللوحة الرائعة من البطولة التي ابداها الامير يعقوب وصحبه كانت مذبحة كرري كما ((ذكر السيد عبدالرحمن علي طه في كرري دارت المعركة الفاصلة في الثاني من شهر سبتمبر 1898م وانتهت باستشهاد ما يقرب من أحد عشر الف من المسلمين حصدتهم نيران المدافع المصرية والانجليزية وتركت ستة عشر الف من المسلمين يتساقطون جرحى في ميدان الجهاد))(57) .
هذا العدد من الشهداء والجرحى تطابق مع رأي الدكتور شوقي عطا الله الجمل ((في 2 سبتمبر 1898م وقعت معركة امدرمان واندحر جيش الخليفة وقتل اكثر من 11 الف من رجاله حصدتهم مدفعية الجيش المصري هذا بالاضافة الي 16 الف جريح و4 الف اسير))(58)غير إن كتشنر لم يكتف بهذه المذبحة البشعة كما ذكر دكتور الجمل ((فلقد قام بتصفية كل الجرحى تخلص كتشنر من جرحى الدراويش لينظف ميدان المعركة منهم))(59).
رغم هذه المواقف البطولية التي قلما جاد التاريخ بها الا إن وقفة الانصار كانت اشبه بالمعجزات وهنا نورد قول احد شهود العيان من الاعداء وهو المراسل الحربي جورج ستيفنز مراسل حربي انجليزي ((لقد كان رجالنا رائعين ولكن الانصار فاقوا حد الروعة انه لأضخم واعظم واشجع جيش قاتل ضدنا لقد قاتلوا من اجل المهدية وماتوا فداء للامبراطورية الضخمة التي اقاموها وحافظوا عليها زمناً طويلاً))(60).
ويبدو إن عمل كتشنر هذا المخزي كان تلبية لروح انتقام وتشفي تجاوزات حدود الجنود ((فلقد علقت ملكة بريطانيا بعد المعركة (قائلة لقد تم الانتقام له الان بالتأكيد) أي الانتقام لغردون))(61) .
حدث هذا وخليفة المهدي يراقب رجاله وحينما نعي اليه الناعي خبر استشهاد امير الراية الزرقاء نترك الرواية هنا لشاهد ذلك العصر بابكر بدري اذ قال (( قال السيد المكي الخليفة كان يتكلم مسفر الوجه لم تظهر عليه علامة يأس او خوف حتى جاءه من أخبره إن الامير يعقوب استشهد فأطرق ملياً وجرى عرقه ولم يتكلم بعدها))(62) .
كيف لا يحزن خليفة المهدي ولقد كان الامير يعقوب ساعده الايمن ورجل مهامه العسيرة كما ذكر ذلك السيد بابكر بدري ((إن الامير يعقوب نعم الاخ والوزير الآزر لخليفة المهدي رحمه الله رحمة واسعة فان الامير يعقوب كان مثال التواضع والاعتدال))(63) .
بهذا الموقف ختم الامير يعقوب حياته في معركة كرري التي وقع العبء الاكبر فيها على الراية الزرقاء التي تقدمت الي الهجوم في مشهدمفعم بطلب الشهادة لكن هناك امر هام في ارتباط رجال الثورة المهدية بالتفاني في طلب الشهادة خاصة وان هناك بيعة بايع بها كل الانصار زعيم الثورة المهدية وبها شرط يقول ((بايعنا الله ورسوله ومهدية أن لانسرق ولا نزن ولا نأتي ببهتان ولا نفر من الجهاد وعلى زهد الدنيا وتركها وبذل النفس والمال في سبيل الله))(64) هذه البيعة زائداً على الجو الذي كان يسيطر على تلك الايام التي تمجد اعمال الابطال والفرسان الذين لا يبالون بالموت كما إن قوات ماكدونالد كانت تتقدم صوب المدينة دون أن يتحرك صوبها شيخ الدين وعبدالله ابو سوار حسب الخطة فلا يمكن باي حال إن يقف الامير يعقوب يراقب تقدم القوات الغازية دون أن يحرك ساكناً ويبدو أن الموقف استفز بعض القادة الذين اندفعوا صوب العدو مثل محمد بن المهدي وود بشارة ومن قبلهم ابراهيم الخليل زائداً على هذا الامر الصادر الي قوات الراية بالاندفاع صوب العدو ومهما قيل عن أي معركة هناك ظروف تتعلق بأي معركة لحظة وقوعها وتقييم أي قائد ميداني لهذه اللحظة متروك لظروف شتى يقدرها القائد ولقد صور هذا المشهد ولوحته المفعمة بالايثار وعدم الاكتراث بالموت صورها شاعر المهدية الشاعر الثائر احمد ود سعد وهي ((في حقيقتها مناحة باكية شيع فيها بدموعه أرواح آلاف المسلمين من الثوار السودانيين الذين حصدهم رصاص الانجليز واعوانهم))(65) .
أوراق الامير يعقوب بدار الوثائق تسعة صناديق وارد رسائل وصندوقين وثائق صادرة من الامير يعقوب تعالج مشاكل الدولة احصاها ابوسليم فبلغت زهاء 3212 وثيقة وهي وثائق الامير يعقوب بدأت 1885م الي 1898 .
مصادر ومراجع الورقة :
1/ د. هدى مكاوي ، النباء الاجتماعي للمهدية في السودان مكتبة مدبول القاهرة . صـــ 63
2/ مهدية 2/32 خطاب من الامير يعقوب الي عبدالمجيد عفيف وابو عبدالله جودفات 23 ربيع آخر 1315م.
- مهدية 2/34 خطاب من الامير يعقوب بن محمد الي النذير خالد وقضاة الشرع 24 24 ربيع اول أول 1315م.
- ابراهيم شحاتة مرجع سابق صـــ 298
- مهدية 36/ خطاب من عثمان ادم الي كافة الانصار بالسرية الغربية 8 رمضان 1307ه
- أوراق محمد عبدالرحيم دار الوثائق غير مطبوع صــ 158 .
- مهدية 2/5 خطاب من الامير ابراهيم احمد الي أخيه محمود احمد 19 شوال 1310 ه
- عزام ابوبكر علي الطيب ، العلاقات بين الخليفة عبد الله وقبائل السودان 1885 – 1898 دار جامعة الخرطوم للنشر 1992م صـــ 33
- ابوسليم تاريخ الخرطوم مرجع سابق صــــــ108
- نفس المرجع صـــ 109
- نفس المرجع صـــ 109
- زلفو سابق صـــ 138
- نعوم شقير مصدر سابق صــ 905
- السيف والنار سلاطين باشا صــ 299
- مكي شبيكة مرجع سابق صـــ 707
- زلفو مرجع سابق صـــ 155
- زلفو صـــ 381
- مقدم/ محمد عبدالقادر نصرالدين ، المجلة العسكرية السنة السابقة العدد 37 .
- زلفو سابق صـــ 581
- القدال تاريخ السودان الحديث مصدر سابق صــ 169
- ابوسليم الحركة الفكرية مرجع سابق صــ 171
- شوقي عطاالله الجمل تاريخ سودان وادي النيل مكتبة الانجلوالمصرية صـــ 163
- شارلس نيوفولد ، سجين الخليفة مصدر سابق صــ 155 – صــ 156
- نفس المصدر صـــ 155
- يوسف ميخائيل مصدر سابق صـــ 380
- زلفو مرجع سابق 380
- نفس المرجع صـــ 380
- نفس المرجع صـــ 403
- نفس المرجع صــــ 404
- نفس المرجع صــــ 422
- سيرهرولد ماكمايل سابق صـــ 83
- نفس المرجع صـــ 84
- شرشل حرب النهر مصدر سابق صـــ 310
- شرشل مصدر سابق صـــ 312
- زلفو كرري سابق صـــ 10
- نفس المرجع صـــ 11
- نفس المرجع صـــ 258
- نفس المرجع صــــ 387
- نفس المرجع صــــ 391
- نفس المرجع صـــ 435
- محمد سليمان مجلة القصة العدد السادس يونيو 1960م مقال البطل الشهيد
- يوسف ميخائيل مصدر سابق صـــ 220
- زلفو سابق صـــ 288
- زلفو 502
- شرشل مصدر سابق صـــ 348
- زلفو سابق صـــ 507
- شرشل سابق صـــ 348
- زلفو سابق صـــ 508
- اوراق محمد عبد الرحيم غير مطبوع دار الوثائق صـــ 158
- زلفو سابق صـــ 511
- زلفو سابق صـــ 512-523
- نفس المرجع صـــ 513
- ماكمايكل سابق صــ 83-84
- زلفو سابق صـــ 516
- مستر بيلي صحيفة الوقائع المصرية 18 سبتمبر 1898 العدد (2572) دار الوثائق نقلا من اوراق محمد عبدالرحيم دار الوثائق القومية – الخرطوم.
- نفس المصدر
- عبدالرحمن علي طه . السودان للسودانيين مايو 1955 صــ 11
- شوفي عطاالله الجمل سابق صــــ 164
- نفسه صـــ 156
- روبن نيللاند حروبات المهدية سابق صـــ 252
- نفس المرجع صـــ 254
- بابكر بدري حياتي سابق صـــ 182
- نفس المصدر صـــ 183
- هدى مكاوي . البناء الاجتماعي للمهدية بالسودان سابق صـــ 84
- قرشي محمد حسن قصائد شعراء المهدية صـــ 172
انتهـــ
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.