بُعْدٌ .. و .. مسَافَة *مصطفى أبو العزائم يكتب “الروس قادمون”
*..* *…. مقدمة قبل الإطلاع ..
..* هذا المقال الذي تجده أمامك تم نشره قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال ، بالعنوان أعلاه (الروس قادمون) وتستقبل بلادنا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا على رأس وفد كبير في زيارة تمتد ليومين يجري خلالها مباحثات مع عدد من المسؤولين حول كثير من القضايا ، ورأيت أن أعيد ذات المقال لأن المصالح ثابتة لا تتغير . وقد كان المقال المنشور في 27 أبريل من العام 2021 م كما يلي دون حذف أو تعديل أو إضافة : لم يعد لدى صاحبكم أدنى شك ، في أن التنافس العلني والخفي من قبل القوى الكبرى حول سودان ما بعد الثورة ، سيأتي بنتائج سيئة ، إذا لم تُحْسِن الحكومة إدارة هذا الشأن ، أو لم تتعامل معه التعامل السياسي المطلوب ، فالسياسة الآن تعني الوصول إلى الهدف في أقل وقت وبأقل مجهود ودون خسائر ، حال إذا كان هناك من يسعى لخطب ودّك . التنافس لكسب ود سودان ما بعد الثورة ، هو في حد ذاته مكسب ، لأنه يمنح إدارة الدولة الفرصة لتقييم الأوضاع العامة ، ودراسة مطلوبات الأطراف المتنافسة ، وتقدير العائدات والمكاسب السّياسيّة والأمنية والإقتصادية والإجتماعية ، في حال إتخاذ قرار بالإنحياز لجهة دون أخرى . الآن هناك تنافس على بناء قواعد عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر ، وقد أصبح الآن ساحة صراع علني بين عديد من الدول التي تتضارب مصالحها ، خاصة وإن البحر الأحمر اليوم يعتبر أحد أهم الممرات المائية في العالم ، لأنه يربط بين أهم الموانئ ذات القيمة الإقتصادية ، في بعض الدول المنتجة للنفط وغيره من المنتجات والسلع ، وبين الأسواق العالمية ، إضافة إلى البعد الجيوسياسي ، الذي يجعل المتحكّم في هذا الممر المائي ، متحكّماً في جزء كبير من إقتصاديات العالم وأمنه ، لذلك نجد مثلاً دولة كجيبوتي تستضيف على أراضيها أربع قواعد عسكرية ، ونجد أن الصراع الآن على أشدّه في دولة مثل الصومال لبناء قواعد عسكرية أو مراكز تدريب تقف من ورائها تركيا ، بينما تسعى دول كبرى لمزاحمة تركيا هناك ، إن لم تكن تعمل على إقصائها . بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي القديم ، وقيام جمهورية روسيا الإتحادية ، وبعد إنهيار الأنظمة الشيوعية أو اليسارية في القارة الأفريقية ، وكثير من دول العالم ، لم تترك الدول الكبرى ما خلّفه غياب تلك الأنظمة من فراغ ، فسارعت دول إستعمارية قديمة وحديثة لملء الفراغ ، أما لتحقيق مكاسب سياسية أو أمنية أو إقتصادية ، وشهدت القارة الأفريقية هبوطاً ناعماً من قبل بعض الدول التي كانت تحلم بموطئ قدم لها في أرض الموارد الواعدة افريقيا . بعض الدول الإستعمارية القديمة لم تفرط في مستعمراتها ، مثل فرنسا التي كانت قد أبقت على قواعد عسكرية في مستعمراتها حتى بعد الإستقلال ، مثلما حدث في دولة تشاد أو أفريقيا الوسطى ، وكل ذلك لمعرفة فرنسا بحجم الثروات الهائلة التي تذخر بها تلك البلدان . ظل موقع السُّودان منذ الأزل السياسي ، موقعاً إستراتيجياً متميزاً ، يربط ما بين شمال الصحراء الأفريقية وما بين جنوبها ، والذي يتحكم بأدوات الحكم في هذا البلد ، يمكنه أن يتحكم في كثير من دول القارة ، خاصة وإنه يتمتع بثروات وموارد هائلة ومتجددة ، لكن التحكّم في أدوات الحكم بالسودان يتطلب التحكّم في النُخب السّياسيّة ، والعمل على تقسيمها وتجزئتها حتى لا تتوحد وتقف أمام أي مشروع عالمي للسيطرة على القارة الأفريقية والتحكم في دولها . نظام حكم الإنقاذ السّابق جاء برؤية إسلامية سياسيّة واضحة ، وهو ما جعل المتحكّمون في إدارة حكومة العالم الخفية ، يحاربونه ويضيّقون عليه الخناق ، تارة بالحصار ، وتارة بالعقوبات الاقتصادية ، وتارة بالحروب القبلية والمحلية ، إلى أن سقط بعد صمود لثلاثين عاماً أدهش حتى أهل الإنقاذ أنفسهم ، بسبب شراسة الحرب ضدهم . عرف السُّودانيّون أهمية وقيمة بلادهم ، وسعت قوىً خارجية ودولية لكسب ود النُخب السّياسيّة التي تحلم أول تعمل على أن تؤول إليها الأمور بعد زوال حكم الإنقاذ ، بعض هذه النُخب كانت تعي ما يدور حولها ، وبعضها كان مغيّباً تماماً لا يرى إلّا كرسي الحكم ومفاتيح السّلطة . ومع ذلك كله كانت قوىً شعبية كبيرة مُغيّبة عن قصد ، وتمت تعبئتها في إتجاه واحد هو إسقاط نظام الإنقاذ دون طرح البديل الموضوعي ، ويتمثل ذلك في شعار الثورة الإحتجاجي (تسقط بس ) . سقط نظام الإنقاذ ، وتسارعت القوى الدولية لوضع يدها على المكاسب التي حرمت منها سنين عدداً ، وتكشّفت مع الأيام تلك المكاسب التي تزيد تلك القوى الدولية قوة ، وظهرت على المسرح الولايات المتحدة الأمريكية تريد إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر ، وكذلك روسيا معتمدة على إتفاق مسبق مع حكومة البشير يمنحها هذا الحق ، وظهرت تركيا تحمل مسودة إتفاق مع حكومة السُّودان وقتها ، تُمْنح بموجبه قاعدة عسكرية ، وتنشئ من جانبها مصنعاً لطائرات الدرون ينتج حوالي ألف طائرة في العام ، وقد أصبح هذا النوع من الطائرات في زماننا هذا من أسرع الوسائل في حسم المعارك . روسيا أرادت الدخول من باب الأعمال الإنسانية ، فنحن نسمع ونرى ما يقوم به رجل الأعمال الروسي ” يفغيني بريغوجين ” بشراكات سودانية ، من أعمال إنسانية بتقديم الدعم والعون لنحو مليون أسرة سودانية ، بتوزيع سلال رمضان ، أو بتوزيع الاحتياجات الضرورية لعدد من المتأثرين النزاعات في جنوب كردفان وغيرها من المناطق بإتفاق مع بعض الحركات . روسيا عرفت مدخلاً لم يعرفه منافسوها ، لكنهم حاولوا أن يلحقوا بها من ذات الباب ، ولا نرى أنهم سيجدون من التقدير الشعبي ما تجده روسيا ، ونحن نعرف إن ما قام به رجل الأعمال الروسي ” يفغيني بريغوجين ” لم يكن مصادفة ، فالرجل من المقربين للرئيس الروسي” فلاديمير بوتين ” وهو من أصدقائه المقربين ، وتقول تقارير كثيرة إنه من الممولين لمليشيات فاغنر المعروفة ، وإنه رجل شديد النشاط ، ويدير عدة مشاريع ضخمة ، وله القدرة على التحكم باللوجستيات وإنه على علاقة قوية بالمخابرات الروسية . السؤال الآن ، هل أصبح الباب مفتوحا أمام روسيا لتعوض سنوات الحرمان الطويلة التي انقطع خلالها وجودها في إفريقيا (؟) الإجابة ستكون عند متخذي القرار ، إذا أعدوا دراسة وافية كافية ، شافية .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.