وجبرت اللؤلؤة الخواطر . . بلولوة الخاطر.. السفير/ عبدالله أحمد عثمان
قطر سمت و تجاوزت مرارات دبلوماسية و استمرت بنبل أصيل في دعم السودان و أهله .الدوحة استضافت بصبر مفاوضات سلام دارفور و قدمت الدعم للشعب السوداني و ليس لنظام حكم أو رئيس .• كنت شاهد عيان على حرمان السودان من خير عميم باجهاض مبادرة قطر تأسيس بنك تنمية دارفور .أما اللؤلؤة فهي دولة قطر الشقيقة ، و اللولوة هي سعادة/ لولوة الخاطر وزير الدولة للتعاون الدولي . حيث قامت سعادتها مكلفة من صاحب السمو الشيخ/ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر بجبر خواطر أهلنا في السودان و من قبلهم في غزة ممثلة لدولة قطر ، و مجسدة لأهل قطر الأوفياء في تعبير مكثف ، رسولة للإنسانية ، تساقط علينا رطبا جنيا . دوافع ثلاث دفعتني لكتابة هذا المقال . . أولها دافع ( ملهم ) . . و ثانيهما ( مستفز ) . . و ثالثهما ( مستحق ) و الذي يرتقي إلى مصاف الواجب . انصافا و وفاءا لمن قدموا اجزل العطاء في وقت عز فيه النصير . * تمثل ( الملهم ) في مشاهدة سعادتها و هي تهبط مطار بورتسودان قبيل شهر رمضان المنصرم من طائرة ال C 130 التابعة لسلاح الجو الأميري القطري و هي ترتدي سترة العاملين في مجال الإغاثة ، بدلا عن السترة الواقية من الرصاص التي يرتديها عادة ركاب هذا النوع من الطائرات العسكرية ، و التي جعلت منها دوحة الخير وسيلة لحمل البلسم . . عونا للمحتاج ، و غوثا للملهوف . . في هذا الوقت كانت هناك طائرات من ذات الطراز تهبط على الطرف الآخر في الجوار القريب لحدود السودان الغربية حاملة العلقم من الأسلحة و الذخائر و حمم الموت ، دعما لتمرد غادر ، اذاق أهل السودان المرائر ، قتلا ، و اغتصابا للحرائر ، نهبا ، و اختطافا ، تعذيبا ، و تهجيرا . انداح هذا الدافع الملهم ليسجل محطات مشرقات أولاها تشريف سعادتها للقاء نظمه أبناء الجالية السودانية بقطر إحدى أمسيات خواتيم شهر رمضان المبارك . و خاطبت اللقاء بأنها عادة مقلة جدا في تلبية الدعوات الإجتماعية في شهر رمضان . غير أنها ذكرت و بود عال بأنها لحظة اطلاعها على الدعوة و علمت أنها من أبناء السودان بقطر وافقت على الفور . و عددت في كلمتها جملة من معاني الوفاء تنم عن أصالة الجوهر ، و رقي المخبر لأساتذتها و صداقاتها من السودانيين . و شهدت باريس عقب عيد الفطر ثاني هذه المحطات حينما ترأست وفد قطر لمؤتمر باريس لدعم الجهود الإنسانية في السودان . حيث كان خطابها أمام المؤتمر هو الأميز و الأفضل بلا منازع . نصرة و حرصا اكيدا على السودان أرضا ، شعبا ، و كيانا .لم يتوقف اندياح هذا الدافع الملهم عند حدود السودان ، بل تعداه إلى غزة العزة ، حينما قادت قوافل الدعم الإنساني ، و كان حضورها هو الأول و الأخير لأي مسؤول عربي بهذا المستوى الرفيع . و قد كان إختيار القيادة الرشيدة لسعادتها كامرأة لهذه المهمة اختيارا موفقا للغاية ، حيث أنها الأقدر على جبر خواطر الآلاف من أمهات الشهداء ، فالثابت عبر التاريخ أن النساء هن صاحبات الوجع المر عند وقوع الحروب . إما أرامل لفقد زوج ، أو ثكلى لفقد ولد أو بنت . و قد شكلت كلماتها عند معبر رفح لوحة مضيئة في زمان معتم ، و جبرت خواطرهم بأحرف نضرات يخلدها التاريخ . و تجسدت قمة المواساة في زيارتها للإعلامي الجسور مدير مكتب الجزيرة بغزة وائل الدحدوح لتعزيته في مصابه الجلل ، بفقد عدد من أفراد أسرته جراء القصف الصهيوني الغادر، قبل أن يطاله لاحقا في شخصه جراحا و إصابات ، تكفلت دوحة الخير بتضميدها في مستشفياتها المتطورة بامتياز .استعرضت الذاكرة للمعاصر فما وجدت سوى لؤلؤتين من حرائر أمتنا بمواقف باذخة . . أولاهما أيقونة الثورة الجزائرية في ستينيات القرن الماضي و التي وصفها الشاعر باللؤلؤة و هي المناضلة الرمز ( جميلة بوحيرد ) . . و ثانيتهما أيقونة العمل الإنساني في حاضرنا ( لولوة الخاطر ) التي مثلت قطر الدولة و اهلها الكرام . جوادون بأياد بيضاء ، و قلوب مجلوة ، فلله درهم و عليه أجرهم . وجاء الدافع ( المستفز ) نتاج تصريحات سمجة صدرت عن سياسيين في الكيان الصهيوني ضد دولة قطر و دورها البارز في الوساطة لحفظ الأرواح و حقن الدماء و تحقيق السلام للجميع . و كان أبرزها تصريحات وزير الإقتصاد . و قد ألقمهم د. ماجد الأنصاري الناطق بإسم الخارجية ردودا رصينة ، شافية وافية شكلت هذي الدوافع مضافا لها خلاصات نقاش مع صديق طفولة ذو توجهات يسارية تركها مذ سنوات الدافع ( المستحق ) . . و استفزني بعدم درايته بجهود قطر الناصعة في السودان . و هو شخص مجادل لحوح و بتعبير أهل السودان ( سلاخ نملة ) . . حيث ذكر لي بأن قطر دعمت السودان فقط في عهد الإنقاذ . . افحمته فورا بفيديو هذا الجسر الجوي الذي قادته معاليها في أبريل 2024 بعد خمس سنوات من سقوط نظام الإنقاذ . و الذي وجه سمو أمير قطر بتسييره ، و قبله عدة جسور منذ اندلاع التمرد دعما للشعب السوداني . و ليس لنظام حكم أو رئيس . و أوضحت له بأن قطر قد سمت و تجاوزت مرارات دبلوماسية وقعت ضدها من سلطات ما بعد سقوط الإنقاذ ، و استمرت في نبل أصيل في دعم السودان و أهله . و هي مرارات تلجأ بعض الدول لقطع العلاقات الدبلوماسية إذا ما وقع عليها مثلها . شرعت في سرد أبرز معالم العلاقة و التي من محاسن القدر أنها تأطرت على صعيد الجانب السوداني حينما فتح القوس بمقدم المشير سوار الذهب ( رحمه الله ) ، معارا إلى دولة قطر مطلع سبعينيات القرن الماضي . و يغلق القوس الآن بنجله سعادة السفير/ أحمد عبد الرحمن سوار الذهب سفير السودان الحالي لدى الدوحة .تداعت المواقف الباهية لقطر ، و قلت له كان يمكنني الاكتفاء عن هذا المقال بصورة جمة التعبير لذاك البدوي الذي يمتطي بعيره حاملا صورة صاحب السمو الشيخ/ تميم بن حمد ال ثاني أمير دولة قطر . . هناك في اقاصي بوادي دارفور ترحيبا و احتفاءا بزيارة سموه لدارفور في العام 2013 . و أكاد أجزم بأنها الصورة الوحيدة التي رفعت لرئيس عربي أو أجنبي في تلك الاصقاع إطلاقا .و تابعت بأن صاحب السموالأمير الوالد الشيخ/حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله و رعاه له بصمات مميزة تجاه السودان و أهله . بدءا من استضافة سموه و رعايته لمحادثات سلام دارفور في الدوحة في العام 2008 , و الصبر على تحدياتها و صعوباتها حتى أثمرت اتفاقا للسلام في العام 2011 و قيام قطر بتنفيذ ما التزمت به من مشروعات دعم سلام دارفور في مجالات حيوية عديدة على رأسها المياه ، الصحة ، التعليم ،الإسكان و إعادة الإعمار ، توطين الرحل ، و الرياضة .و استمرت حتى ابريل 2023 .أوضحت له بأنني شاهد عيان على حرمان أهل دارفور من خير عميم ، حينما اجهضت جهات نعلمها مبادرة سموه لتأسيس بنك تنمية دارفور برأسمال 2 مليار دولار عبر مساهمات من الدول الأعضاء و البنك الإسلامي للتنمية و هناك لمسة فريدة متفردة لسموه فهو الزعيم العربي و الأجنبي الوحيد الذي إتخذ له مسكنا بالخرطوم و هي لمسة صدق و وفاء ، تعزز الثقة و تربو بالاخاء . و في لمسة أعز و أوفى سجل سموه موقفا ينضح نبلا يوم أن قام ترافقه حرمه المصون بواجب العزاء فى الفقيد الكبير المشير عبدالرحمن سوار الذهب رحمه الله حضورا بمنزل الفقيد بالخرطوم دونا عن كل زعماء العالم . تعزيزا للحقائق اطلعته على فيديو مائز لصاحبة السمو الشيخة / موزا بنت ناصر أواخر عام 2023 و هي تواسي أهل السودان . . إنسانا و مكانا بشأن مصابهم الجلل جراء هذه الحرب اللعينة … و هي مواساة عز نظيرها ممن هم في مقامها . و ليس بغريب علي سموها فقد سبق أن قامت بزيارة تاريخية للسودان في العام 2016 . و لم أجد في ذاكرة الوطن مثال لها سوى زيارة الملكة إليزابيث الثانية إلى السودان في العام 1967 . . و كلتاهما زارتا العاصمة الخرطوم ، و الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان . . و زادت سمو الشيخة/ موزا بأن زارت منطقة البجراوية الأثرية شمال الخرطوم . . و لكأني بأرواح الملكات المدفونات لأكثر من 3000 سنة في تلك الأهرامات ، قد حلقت ارواحهن ترحابا بمقدم سموها الميمون . . و قد كان للزيارة نتائج باهرة دعما لقطاع المرأة و الطفل و الشباب في السودان ، و ما زالت ثمراتها تترى ليومنا هذا . اردفت بأن سعادة الشيخة/ المياسة بنت حمد آل ثاني قد وفرت لهؤلاء الملكات و كل هذا التراث الأثري العريق ، اهتماما صادقا و رعاية غير مسبوقة ، عبر مشروع رفيع المستوى ، بمشاركة قامات علمية ، و إمكانات فنية عالية . للمحافظة عليه ، و تقديمه للعالم بصورة لائقة و معبرة عن دوره و مكانته في مسيرة فجر الحضارة الإنسانية . و هو غير ما سبقه من مشروعات ساهم بعضها في نهب كنوزنا و عرضها في المتاحف الأجنبية .صديقي ( سلاخ النملة ) قال بأن هذه مواقف من القيادة العليا للدولة و تأتي في إطار العلاقات السياسية و الدبلوماسية بين الدول ، فأين مساهمات الشعب القطري في دعم السودان ؟ . . أجبته على الفور بأنك لا تدرك حجم و رهق إستضافة دولة لمفاوضات استمرت لسنوات بكل تحدياتها . فقد كانوا هناك جميعا بدءا من معالي الشيخ/ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية . و سلفه معالي الشيخ /حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية و أركان حكومتيهما . و على رأسهم سعادة / احمد بن عبد الله آل محمود رئيس مجلس الشورى القطري سابقا . و تكبده مشاق متابعة جلسات مفاوضات دارفور ، و ليتك رأيته و هو يجلس في صبر و اناة على حصير في أرض أحد معسكرات النازحين بدارفور . قال لي صديقي بأنك تعرف كل هذا بحكم عملك في السلك الدبلوماسي ، أما أنا فمن أين يتأتى لي ذلك و هو غير مبذول في الميديا . . ختمت بموقف لي مع السفير الجزائري في دمشق في العام 1998 و قد كان يوما أحد شباب الثورة الجزائرية تحت قيادة أحمد بن بيلا و هواري بومدين . . و قد زارنا بجناح السودان بمعرض دمشق الدولي يومذاك و أعجب بما عرضنا ، و قال لي ” أنتم في السودان مثل السمكة تبيض آلاف البيض تحت الماء و لا يعلم بها أحد . و آخرون مثل الدجاجة تبيض بيضة واحدة و تملأ الدنيا صياحا فيعلم الجميع بانجازها الواحد ” . . فهل ينطبق هذا المثل على دوحة الخير . . التي تمنح كل هذا العطاء بلا صخب ، من وساطة بين فنزويلا و امريكا غربا ، إلى وساطة بين امريكا و دول الغرب و أفغانستان شرقا . . و من الصومال جنوبا مرورا بارتريا ، و السودان ، و تشاد ، و غزة ، و سوريا ، إلى الوساطة بين روسيا و أوكرانيا شمالا ؟؟ ودعت صديقي مع وعد بكتابة هذا المقال عسى أن يكون صرخة في وادي الإنسانية . . بعض وفاء للدولة الرائدة في مجال الدبلوماسية الإنسانية .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.