رحل سارية . . و بقيت السارية ✍️ السفير/عبدالله أحمد عثمان

☘️🌹☘️

فجعنا الإثنين ١٩ أغسطس الجاري بنبأ رحيل مر لأخ عزيز له في الإخاء صدارة . . و في المروءة مقامة . . و في المواقف صلابة . . كيف لا و هو سليل أسرة بالقرآن سمت ، و على مكارم الأخلاق جبلت ، و على العصامية و الرجولة و الرجالة تربت و ربت . . ألا و هي أسرة آل عمر الإمام ، ذلكم الحوش الامدرماني العريق الذي أنجب الشيخ عوض عمر الذي أوتي بعضا من مزامير داؤود ، و عم يسن ، و عم مكي ، و عم حذيفة ، ووو و كل زمرة الخيرين و الخيرات من أبناء و أحفاد عمر الإمام الانقياء . . رحل سارية مكي عمر الإمام هناك في شندي بعيدا عن حواري و زقاقات و حيشان أم درمان التي عشق و أحب . . لحظة النبأ طاف بذهني لمحا شريط صلات و إخاء يمتد لأكثر من 43 عاما كان فيها سارية شامة في ثلة كرام من أبناء أم درمان جمعتنا بهم علائق أرفع و أسمى من النسب و الصهر . . إخاء جمع فاوعى . . فمن مجايلينا ( + – 3 سنوات ) د. مطرف صديق ، حسين خوجلي ، المحبوب عبدالسلام ، طارق محجوب ، بابكر حنين ، صلاح كردمان ، يسن عوض ، سليمان عبدالتواب ، سامي الحلبي ، عادل الباز ، حسن فضل المولى ، عادل عبدالرحمن ، صلاح بخيت ، عبدالعزيز أبارو ، عبد المعز محمد أحمد ، محمد عبدالعزيز ، إبراهيم منصور ، هاشم زكريا ، و آخرين كرام . . غالبهم كان حضورا في فطور الجمعة الشهير و الشهي في منزل العم القامة يسن عمر الإمام . و هناك تلتقى بمولد أم درمان و مسرحها الحي . . تلتقي د.حسن عمر مؤسس مطابع العملة ، و يحي حسين أحد أركان نيفاشا ، و تلتقي أيضا الهادي الضلالي أحد أيقونات و ظرفاء أم درمان . . اييييه إنها أم درمان يموت فيها عشقا علي المك و أحمد سليمان المحامي . و ذمها بقسوة الواثق . .

** خلال شريط الذكرى الذي طاف توقفت عند محطتين إثنين مع الفقيد سارية . . أولاهما حينما تعرفت في خواتيم العام 1997 على الجبل الذي بشأنه وجه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من فوق منبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة قائده سارية بالانتباه لقوة الأعداء التي كانت فوق الجبل ، الذي كنت أمر بسيارتي عند سفحه بمنطقة بانياس قريبا من ميناء طرطوس في محافظة حمص بسوريا ، يومها تذكرت أخي و صديقي سارية مكي تقبله الله و على من تمت تسميته .
اما ثانيتهما فكانت يوم اصطحبت العم بل الوالد يسن عمر الإمام رحمه الله في سيارتي الخاصة من دمشق إلى عمان بالأردن مستشفيا في العام 1998 ، و خلال الساعتين و نصف مسافة الطريق اتحفني العم يسن بدرر نادرات . مزيج فريد من الشخصي و الخاص و العام ، مبهرة روايته عن موقف الشيخ حجاز المدثر مع شقيقهم المقرئ الشيخ عوض عمر و كلاهما قامة امدرمانية سامقة ، يوم أن جاء شيخ الحجاز عقب صلاة الفجر بعد بضعة أيام من وفاة والدهم الشيخ عمر الإمام للمنزل و طلب لقاء شيخ عوض و بادره بسؤال هل تعرف مكان قبر والدكم فأجابه بنعم ، فطلب منه مرافقته إلى المقبرة لأمر جلل ، و عند وصولهم للقبر كانت هناك علامة خطت بعصا على القبر، عاجل شيخ مدثر موضحا بأنه من وضع العلامة هذي حيث أنه توجه قبل فجر ذاك اليوم إلى المسجد و عند مروره بالمقبرة سمع صوت شيخ عمر الإمام يصدح بالقرآن من أحد القبور و يصعد الصوت إلى السماء ، و تتبعه حتى وضع العلامة على القبر و أراد التأكد من أبناء شيخ عمر و قد كانت شهادة من أحد عدول العدول لهذه الأسرة القرآنية . . هذا عن الوالد أما الوالدة فقد حكى لي ما يتوجها منبعا للعصامية في هذه الأسرة الكريمة حينما فاجأتهم والدتهم يوما بأنها ترغب في الحج لذاك العام ، و بادروها بعدم توفر المال و أنها قد فاجأتهم ، و صدمتهم حينما ذكرت بأنها قد وفرت مبلغ تكلفة الحج من ملاليم البواقي !!! . حيث كانت ترمي في صندوقها الذي يحوي عدة القهوة الملاليم المتبقية من شراء السكر و الشاي و البن لعدة سنوات ثم تصمها كل فترة حتى اكتمل لديها مبلغ الحج .فحجت بعصامية و رثتها لأجيال الأسرة و منهم الفقيد سارية .

ثالثة حكاوي عم يسن كانت عن الرجولة و الرجالة و ذلك حينما عزم على مغادرة الحزب الشيوعي و الإنضمام للحركة الإسلامية نهاية أربعينيات القرن الماضي ، حيث قرر أن تكون مغادرته داوية و ليس انسلاخا باردا باهتا . . فتحين الفرصة و افتعل مشاجرة على الملأ مع زميله في الحزب ( ب . س ) الذي صار وزيرا في مايو ، أثناء منشط للحزب و صفعه كف صاموتي و أعقبه بصوته الجهوري إعلان مغادرته للحزب و انضمامه للأخوان المسلمين .
. . في هذه الأجواء و تحت هذه السارية الأسرية المترعة بنور القرآن الكريم و بالعصامية و الرجولة و الرجالة و الكرم ، ولد و عاش و رحل سارية . . و بقيت السارية . . . و نسأل الله أن يحشره في زمرة السابقين مع الشهداء والصديقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.