نائب رئيس مجلس السيادة يخاطب الشعب السوداني
متابعات-اليمامة برس
بورتسودان ١٢-١-٢٠٢٥م
خاطب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد مالك عقار إير اليوم الشعب السوداني مهنئا بالذكرى ٦٩ لاستقلال السودان، وأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية. وحيا سبادته كفاح الشعب السوداني وصموده في وجه التحديات. وفيما يلي نص كلمة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي
بمناسبة العام الجديد.
أيها الشعب السوداني العظيم، في هذا اليوم المجيد أود أن أُهنئ الشعب السوداني بأعياد المسيح الذي طل علينا قبل أيام و رأس السنة الميلادية ويوم استقلال وطننا الحبيب قبل 69 عام ، أتوجه إليكم بأسمى آيات التقدير والإجلال ، أنتم الشعب الصامد ، الذي لا تهزه المحن ولا تكسره النوائب ، أنتم الذين كتبتم عبر تاريخكم الطويل قصة كفاحٍ عظيم وصمودٍ لا يلين ، أمام كل التحديات . اليوم، نستذكر بفخرٍ نضالات آبائنا وأجدادنا الذين ضحوا بالغالي والنفيس ، لينال السودان حريته واستقلاله في العام 1956.
التحية للشعب السوداني الصامد
يا أبناء السودان ، أنتم رمز العزة والشموخ، الآن تقفون في وجه حرب وحشية تشنها مليشيات الدعم السريع المجرمة ، ومن خلفها أيادٍ خارجية تسعى للنيل من استقلالكم ، ونهب مواردكم ، واستعباد شعبكم. وعلى رأس هذه الجهات تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة ، التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب وطننا. لقد زادت هذه الحرب من صلابة شعبنا ، وصقلت معاني الوطنية والإرادة لتظهر في مشهد هذا الاستبسال العظيم ، الذي يمتد من الفاشر الحبيبة وحتى الخرطوم الأسيرة ، وربوع الجزيرة الخضراء وكردفان الغراء.
وكذلك في هذا اليوم ، لا بد أن نستذكر ثورة ديسمبر ، التي مثلت واحدةً من أهم المحطات في تاريخ السودان الحديث. لقد أطاحت هذه الثورة بحكومة المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية ، وفتحت أبواب الأمل أمام مستقبلٍ جديدٍ للسودان. ولكن الخيانات قد طعنتها في الظهر.
التحية لثوار ديسمبر ، أولئك الشباب والشابات الذين خرجوا بصدورٍ عاريةٍ يهتفون للحرية والسلام والعدالة ، ولم يترددوا في حمل السلاح ، والانحياز للوطن عندما واجه خطر التفكك والانهيار ، و الان هم مصطفون مع القوات المسلحة في ميادين القتال. لقد أثبتوا للعالم أن السودان بلدٌ مليء بالأبطال الذين لا يخونون قضيتهم ، ولا يساومون على وطنهم. وهم الآن في خطوط المعركة الأمامية ، متجردين من كل انحياز إلا انتماءهم للوطن. فهنالك من يحاولون إستغلال هذا المشهد البطولي للثوار ، لمصالح حزبية أو سياسية ، يمينية كانت او يسارية ، فإن وعي شعبنا لهم بالمرصاد. ونحن نعرفهم وليس لديهم ورقة توت يتدثرون بها .
للأسف ، لم يكن الطريق سهلاً. فلقد واجهت بلادنا مكائدُ من بعض القادة ، ومن بعض الأشخاص صغار النفوس ، الذين انحرفوا عن مسار الثورة ، من الذين أسكرهم شبق السلطة ، وباعوا أنفسهم لشيطان خدمة أجندات خارجية . لكن رغم هذه الخيانات ، فإن إرادة الشعب كانت أقوى ، ومبادئ الثورة ما زالت حيةً في قلوب السودانيين الشرفاء.
أقدمُ التحية للمرأة السودانية ، رمز الصمود والتحدي ، وأنحني بكل فخر وإجلال ، للنساء السودانيات الاتي واجهن المحن بشجاعة وإرادة لا تنكسر. فبالرغم من محاولات المليشيا المجرمة إذلالها خلال هذه الحرب الوحشية ، ظلت شامخة، ثابتة ، وحاميةً لكرامة وطنها ، وعامل أساسي في الحفاظ على مجتمعها. تحية للأمهات ، اللائي قدمن أبناءهن شهداء ، وللنساء اللائي وقفن في الصفوف الأمامية دعمًا وصمودًا. لقد أثبتت المرأة السودانية أنها صانعة المجد وروح الثورة ، وأنها ستظل دائمًا الحصن المنيع لهذا الوطن الذي لن يُهزم أبدًا.
و الترحم على الشهداء ، والدعاء بالشفاء للجرحى ، وعودة الأسرى والمفقودين، أتوجه بالتحية والإجلال ، لجنود وضباط الجيش السوداني ، و القوات النظامية الاخري ، و المقاومة الشعبية و المستنفرين ، و المقاتلين والمتطوعين الشجعان في صفوفه ، الذين وقفوا سدًا منيعًا في وجه مليشيات الدعم السريع المجرمة. لقد استبسلتم في الدفاع عن الأرض والعرض ، وأثبتتم أنكم الحصن الحصين لهذا الوطن. التحية لكل شهداء المعركة الوطنية ، الذين مضوا في طريقهم ليلتحقوا بدرب ود حبوبة ، وعبدالفضيل الماظ ، إلى آخر القائمة الطويلة لشهداء معارك الوطنية والتحرر في السودان، والنصر بات غاب قوسين أو أدني. و تحرير مدني بالامس و سبقها جبل موية و سكر سنار وغيرها لم تكن معاك سهلة من من حيث الارواح و العتاد . أؤكد أن الجيوش لا تنهزم، وقد أثبتم ذلك بصلابتكم. إن معركتكم ليست فقط للدفاع عن الوطن، بل هي أيضاً لإعادة بناء السودان بعد الحرب. عليكم أيضًا أن تواجهوا التحدي الأكبر ، وهو جمع السلاح المنتشر وحصره في يد القوات النظامية ، لتجنب تكرار التجارب السابقة ، وعلي اللجنة العُليا للتعبئة والإستنفار ، وضع برنامج يستصحب آليات تُساعد لاحقاً في جمع السلاح بعد إستتباب الامن من المستنفرين الخُلص ، و المقاومة و أي تسميات أخري .
و أقول للشخصيات المتورطة في السر او العلن في إراقة الدم السوداني و الذين شاركوا فعلياً في المعارك او كانوا مخبرين او دُللة او متعاونين مع المليشا و إلي الذين يدعونهم للعودة ، هؤلاء لافرق بينهم و بين المتمرد محمد حمدان دقلو و لابد من معاملتهم بنفس معيار التعامل مع قائدهم و لافرق بين قاتل و آخر.
هذه الحرب ، رغم قسوتها ، وتجاوز المليشيا لقواعد الإشتباك ، فقد قامت المؤسسات والأجهزة ذات الصلة ، برصد وجمع و توثيق دقيق لكل تجاوزات الدعم السريع ، وأن كل من إرتكب جرما ستناله يد العدالة ، كما أنها جمعت الوطنيين من أبناء السودان على هدفٍ واحدٍ . لقد أعادت إلينا الأمل في بناء وحدة وطنية حقيقية، تستند إلى العدالة، والمساواة ، والمواطنة بلا تمييز. إن هذا التلاحم عملياً هو الطريق الصحيح لبناء السودان الجديد، الذي يحلم به كل السودانيات والسودانيين.
أيها الإخوة والأخوات،
لم تكن هذه الحرب مجرد أزمة ، بل كانت اختبارًا لعزيمتنا الوطنية ولصمودِ شعبنا ، وبرهنت للعالم أجمع أن السودانيين لا يُقهَرون. لقد أثبتم أن الاستقلال ليس مجرد حدثٍ يُحتفل به، بل هو مسؤولية تُحمَل على الأكتاف ، ونضالٌ مستمرٌ ضد كل من يحاول المساس بسيادة بلادنا وكرامة شعبنا. كما انها لم تكن مجرد مأساة، بل كانت هُنالك فرصةً لإعادة التفكير ، في مسارنا الوطني للتأسيس لمشروع وطني تنموي حقيقي ، يضع أسس بناء سودان ما بعد الحرب. لقد حان الوقت لتحقيق الشعارات التي لطالما رفعها السودانيون ، حرية، سلام، وعدالة .
الكثيرون يتحدثون عن الديمقراطية ، وهو مطلب مشروع مستمر . فالديمقراطية النابعة من التعددية السودانية والعدالة الاجتماعية ، هي السبيل الوحيد لإخراج السلاح من الممارسة السياسية . ومع ذلك ، فالوصول إلى محطة التحول الديمقراطي ، يُحتم علينا أولاً إسترداد الدولة ، بتعزيز الهيكل الموحّد لها ، وتنمية مقدراته الوظيفية والأدائية ، وأن نؤسس مؤسسات دولة محايدة ، تخدم جميع المواطنين دون استثناء . وهذا يشمل القوات المسلحة السودانية ، والمؤسسة العسكرية التي تضم الشرطة والأمن والقوات النظامية الأخرى ، التي ستُدمَج فيها كافة قوات الكفاح المسلحة الوطنية ، لتصبح جزءًا من جيش وطني واحد موحد القيادة ، يحمي كل السودان وكافة أهله.
هذا العام ، سيكون عام لبداية تحرير مؤسسات الدولة ، من كافة أشكال الانحياز الحزبي ، والسياسي ، والجهوي والإثني . علينا أن نبني مؤسسات خدمية تسعى لخدمة الشعب السوداني بكل فئاته . وفي هذا الإطار ، قد نظمت وزارة العمل و الإصلاح الإداري ورشة ، عن الحقوق والواجبات للعاملين بالخدمة المدنية ، و قوانين الخدمة المدنية و شروط الخدمة و إعادة الهيكلة ، و نعمل الان علي تطبيق هذه المخرجات ، كما واننا لن نهتم بالدعاية السياسية المغرضة ، التي يحاول البعض نشرها ، لخدمة أجندات المليشيا. إن اتهام الجيش ومؤسسات الدولة بالتحيزِ إلى أي جهةٍ ، هو محاولة يائسة للنيل من وحدتنا الوطنية ، ولكننا لن ننحرف عن مسارنا ، في إكمال مسيرة انتقال البلاد ، حتى تصل الي ما خرج من أجله الثوار والثائرات وضحوا في سبيله بالمهج والأرواح .
لن ينجح أولئك الذين يسعون للوصول إلى السلطة على حساب دماء السودانيين ، لخدمة مصالح خارجية وأجندات مشبوهة . السودان أكبر من أن يُختزل في أطماعهم الصغيرة ، وأعظم من أن يُستخدم كورقة في صراعاتهم الإقليمية والدولية.
إن سودان ما بعد الحرب الذي نعمل على تاسيسه ، يقوم على أسس الشفافية والقومية ، ومكافحة الفساد بكل أشكاله ، سواء كان ماليًا أو سياسيًا . لا يمكننا أن نبني وطنًا عادلًا ومزدهرًا ، ما لم نحارب الفساد الذي أرهق دولتنا وأضعف مؤسساتها لعقود طويلة. وهذه معركة شاقة تحتاج لتعاون الجهات الرسمية و الشعبية ، وقد وضعت الحكومة تصوراً للتدابير و التشريعات اللازمة ، يصحبها برنامج تأهيل وتدريب أجهزة إنفاذ القانون.
إن الذين يعملون على تقسيم السودان ، سيما وأن هنالك مشروعاً مُعدٌ أصلاً لتجزئة السودان علي أُسس مناطقية و جهوية. وهناك مجموعة غير قليلة من المنظمات الإنسانية ، تحركها دول لها مصالح في تقسيم السودان ، تنشط الآن تحت غطاء الخدمات الإنسانية ، و تارة تحت غطاء حماية المدنيين. وهم بذلك يختلقون الأسباب ، بدءاً بذريعة التأشيرات ، بالرغم من أن مفوضية العون الإنساني قد منحت أكثر من 4000 تاشيرة وإذن دخول. ذلك، بجانب التركيز علي فتح معبر أدري ، ونحن نعلم أنه و أمام أعينهم يتم إدخال السلاح والإمداد للمتمردين، بل وإعلانهم أن السودان بلد مجاعة بغرضِ دخول الاراضي السودانية بدون إذن الحكومة ، و بالتالي إدخال قوات تحت ستار حماية المدنين لأهداف إنسانية . والمفارقة ، أن كل هذه الذرائع تجد طريقها إلى نفوس بعض السودانين ، الذين ينشطون في نفخ هذا البوق سعياً الي تقسيم دولتهم . فهؤلأ لديهم أزمة ولاء ، يخربون بيوتهم و بيوتنا بأيديهم ، مستقلين بعض المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية ، وأيضاً المؤسسات الأفريقية ، ومنظمات الاتحاد الأفريقي ، والتي ضعفت أمام هذا التيار و إنجرفت معه لتنحرف عن هدفِ تحقيق و حدة وتضامن شعوب القارة ، متناسين بأن السودان هو أحد المؤسسين لهذه المؤسسات. و أقول لهم ، أن هذا الوطن العظيم مرَّ بتجارب صعبة وقاسية، ولكنه تجاوزها وخرج منها أقوى وأصلب، ولن تزيده الصعوبات إلاّ صموداً وتماسكاً. إن وحدتنا هي سلاحنا الأقوى. علينا أن نعمل معًا من أجل تحقيق السلام الدائم، والتنمية المستدامة، والمساواة الحقيقية بين جميع الشعوب السودانية. لن نسمح لأي قوة خارجية أو داخلية أن تزرع الفتنة بيننا.
رسائل عامة للشعب السوداني
أدعو رجالات الدين الإسلامي والمسيحي والمعتقدات الأخرى، وكذلك رجال السياسة والمجتمع المدني، أن يدركوا أن الناس يستمعون إليهم و يحترمونهم، وعليه من الواجب ان يوظفوا ذلك لخدمة الشعب ، وأن يجعلوا من مهمتهم المحافظة على الأخلاق. فلنجمع ولا نفرق ، نصلح ولا نفسد ، نبني لا نهدم، ونتصدى لمحاربة الجهوية التي تسير الان علي أربعة، العنصرية، القبلية، والفساد.
اولاً: لحركات الكفاح المسلح
إن وعينا عندما رفعنا شعارات التحرير ، كان يعبر عن التزام تجاه الفقراء والمهمشين. لا يمكن أن نفقد هذا الوعي ، لأنه يعبر عن مضمون وتاريخ كفاحنا.
وعندما نتحدث عن ضرورة عدم التفرقة ، نعني أن السودان حاليًا لا يعيش حالة مساواة ، ولكننا نسعى لتحقيق ذلك ، من خلال العدالة الاجتماعية كحد أدنى لتأسيس دولة سودانية جديدة . عندما رفعنا السلاح للنضال المسلح ، كان ذلك لتحرير الشعب من الظلم ، واليوم علينا أن نتجنب أن تكون عودتنا خطأً استراتيجيًا وتاريخيًا ، وأن لا تكون مساهمتنا الواضحة في حرب الكرامة ، مدخلاً لخلق جيش موازٍ للقوات المسلحة ، بل هو محفز لتعزيز الجيش السوداني الوطني المهني الواحد.
ثانياً إلى اصحاب مشروع الإسلام السياسي
رسالتي لكم، وخاصة الشباب من الحركة الإسلامية، هي التقييم و الإستفادة من تجربة الجيل السابق ، في إدارة و حكم السودان علي مدي ثلاثين عاماً ، فالسودان وطن ميزته التعددية العرقية والثقافية والدينية، ولن يُبنى على مشاريع أحادية ضيقة. علينا أن نتكاتف جميعًا ، ونستفيد من القاسم المشترك بينكم وبين الآخرين ، ألاّ وهو وحدة السودان للوصول إلى حوار عميق يؤسس السودان على أسس جديدة ، فالتنازع لا يقود إلاّ إلى التمزق.
ثالثاً: إلى ألأحزاب والقوى المدنية
لاول مرة يتفق السودانيون علي برنامج موحد ، وهو القضاء علي الإستعمار ، و لكن بُعيد الاستقلال ، أخفقت الأحزاب والحركات السياسية المختلفة ، والحكومات المتتالية ، في مخاطبة القضايا التاسيسية ، والمبادئ الدستورية وأُسس بناء دولة المواطنة السودانية ، والاتفاق علي مشروع جامع يؤسس لدولة سودانية متينة. إن السودان بحاجة إلى مشروع وطني تنموي واضح ، يراعي التنوع الثقافي واللغوي والديني ، ويتجاوز التجارب الفاشلة ، التي حولت البلاد إلى سجن مفتوح للإثنيات. لا سيما و انه الان يوجد في السودان 102 حزب مُسجل ، و 122 حزب ومنظمة مجتمع مدني وحركة كفاح مسلح ، لم يوفقوا اوضاعهم للتسجيل ، فإذا إفترضنا بان تعداد السودان اربعون مليون شخص ، هذا يعني ان كل مواطن سوداني في جوفه حزب سياسي مُحتمل ، وهذه جزئية من كارثة السودان.
عليه ، أُفيدكم بأن الحكومة بدأت في إعادة هيكلة مجلس شؤون الاحزاب السياسية ، ومراجعة قانون الأحزاب ، لمواكبة الراهن السياسي و توفيق أوضاعها ، توطئةً لممارسة واجباتها. ومع ذلك، فإن الإصلاح الشامل للمجتمع المدني، ينطلق من إصلاح الأحزاب السياسية، مؤسَّسات المجتمع المدني غير السياسيَّة، خاصة العمل النقابي، يظل من أهم القضايا التأسيسية التي ينبغي التداول حولها بعد وقف الحرب مباشرة.
إن السودان سيخرج من هذه الحرب مختلفًا ، سيخرج الشعب مرهقًا نفسيًا ومشوهًا ، وسيحتاج إلى خارطة طريق واضحة تستند إلى قبول الآخر ، وتحقيق العدالة الانتقالية والاجتماعية ، وإرساء مبدأ المواطنة المتساوية.
و علينا أن نتجاوز مرحلة التناقض والمطلبية الضدية، وأن نبحث عن شرعية توافقية ، من خلال عملية سياسية تأسيسية ، تنقل البلاد إلى الشرعية الانتخابية الدستورية ، وقيام حكومة مدنية منتخبة ، تحقق تطلعات السودانيين . إلي ذلك الحين ، أعدت الحكومة الحالية رؤية سياسية وخارطة طريق ، تمهد للوصول الي نهاية الأزمة ، و تشتمل علي إجراءات و متطلبات الفترة التاسيسية ، و الدخول في الإنتخابات .
لن تُبنى الدولة السودانية الجديدة على شعارات خالية ، أو تجارب فاشلة ، نحتاج إلى أسس جديدة نتفق عليها جميعا ، وتقوم على قبول الآخر ، و محاربة الكراهية ، وتحقيق العدالة الانتقالية ، والعدل الاجتماعي. و المواطنة بلاتميز ، القائمة على الحقوق والواجبات المتساوية، هي السبيل الوحيد لضمان الاستقرار والديمقراطية. وفي هذا السياق ، قد تم تكوين لجنة قومية ، لوضع الخطط ودراسة برامج لتعمير و إعادة تعمير مادمرته الحرب .
ربعاً: إلي اصحاب المبادارت حسُني النية و غيرهم
اننا وبدقة قد درسنا جميع المبادرات التي تقدمت بها اطراف داخلية و إقليمية ودولية حيث تباينت في اهدافها النهائية فمنها ما كان سيُصلنا الي تقسيم السودان و منها ما كان يهدف الي إعادة المليشيا الي الحياة العامة مجدداً و منها ما إفتقر الي آليات التنفيذ ، أأُكد لكم باننا لن نساوم او انقبل اي مبادرة تنتقص من سيادة السودان و تهدد امنه القومي ولن نقبل باي مبادرة هدفها النهائي إفساح المجال للمليشيا في حياة السودانين .
خامساً: الحكومة الحالية
أهنئ الحكومة الحالية على تماسكها، رغم الظروف الصعبة، وعلى إنجازاتها العديدة في كل القطاعات، و بكل فخرٍ قد أسدلنا الستار علي الفصل ما قبل الأخير ، من معركة قيام إمتحانات الشهادة السودانية المُؤجلة للعام 2023م ، والتي جلس لها عدد ( 303,874) في مراكز داخلية ، و عدد (39,104) في مراكز خارجية ، كما أبارك و أهني الطلبة والطالبات ، الذين تمكنوا من الجلوس للامتحانات، و لم تكن هذه المهمة سهلة للطلاب ، فمنهم و بشجاعة ، من خاطر و قطع عشرات الأميال تحت ظروف أمنية معقّدة لوحدهم ، أو برفقة أولياء أمورهم ، أهني وأشكر أولياء أمُور الطلبة والطالبات ، لتشجيع أبنائهم وبناتهم ، للوصول لمراكز الإمتحانات .
هذا النجاح ، حصيلة عمل جماعي مُتكامل ، من جهات عديدة ومؤسسات الحكومة المختلفة ذات الصلة . كل هذه المؤسسات وأخرى ، عملت بروح الفريق متحِدين تحت رغبة أكيدة ، وهي الاهتمام بمستقبل أبنائنا الطلاب . فالتحية والتهنئة لكم جميعاً ، واتمنى للكل التوفيق والنجاح .
ولكن ، لم تكتمل سعادتنا بهذا النجاح ، بسبب حرمان أكثر من سته الف طالب وطالبة جراء رفض دولة تشاد لفتح مركز مدرسة ابشي تحت زريعة أمنية ، و نتاسف لحرمان أبنائنا من الامتحان وتعطيل مسيرتهم التعليمية ، وكذلك رفض الحركة الشعبية جناح / الحلو ، بالسماح بمرور الامتحانات الي محلية الدلنج ، بعد أن ساعدت منظمة سمارتن بوست ، في إيصال طرود الامتحانات الي كادقلي ، الشكر لمنظمة سمارتن بوست لهذا العمل العظيم.
وفيما يلي الطلاب الذين لم يتمكنوا من الجلوس للإمتحان للعام الأكاديمي 2023 م ، ستتاح لهم الفرصة للجلوس مع زملائهم في إمتحان العام الأكاديمي 2024م ، في مارس القادم . و التي نتمني بان تكون أفضل من العام 2024 من حيث التنظيم و التحضير ، مستفيدين من هذه التجربة.
وفيما يلي تغير العملة ، والتي إستغرقت ثمانية وعشرون يوما علي التوالي، ببنك السودان المركزي ، والبنوك التجارية بالولايات المشمولة بالإستبدال فقد سارت هذه العملية وفق الخطة الموضوعة لها ، و الغرض من هذه العملية هو ، إعادة الكتلة النقدية للجهاز المصرفي بغرض إستعادة التوازن الإقتصادي ، كما تم الربط الشبكي بين شركة الخدمات المصرفية EBS ، و بنك ام درمان الوطني و بنك الخرطوم ، وهذا سيحدث فارق في العمل المصرفي ، كما تلي ذلك تحدي سداد إستحقاقات العاملين بالدولة ، و دفع الرواتب ، هذه مهمة صعبة قد إستطاع طاقم وزارة المالية ، تخطيها بسداد مرتبات العاملين بالدولة ، برقم ضعف الايرادات و الخلل في ميزان مدفوعاتنا الخارجي ، و الذي جاري العمل علي تحسين وضعه . و لايفوتني ان أُذكر بالمؤتمر الإقتصادي ، الذي كان في يومي18-19 نوفمبر المنصرم ، و برزت بعض من مخرجات المؤتمر في سمات موازنة العام 2025 و التي من ابرز سماتها ، الاعتماد علي الذات ، و الانفاق علي الاولويات وفق موجهات وضوابط إستثنائية ، و إتباع سياسة مالية مرنة ، تمت تجربتها في العام 2024 ، و إستطاعت ان تُخرج السودان من المرحلة الأكثر تعقيداً.
وفيما يلي القطاع الزراعي، و الموسم الزراعي الصيفي تمت زراعة 39 مليون فدان مطري ، منها 17 مليون فدان ذرة و دخن و هما غالب قوت السكان.
وتوقعات بعثة تقديرات المحاصيل و الأمن الغذائي بان يرتفع الإنتاج من 5 إلى 6 مليون طن من الذرة و الدخن) بينما حوجة السودان السنوية حوالي 4.5 مليون طن. و في الموسم الشتوي تمت زراعة حوالي 1.450.00 فدان ، منها حوالي 450 الف فدان قمح ، كما أن هناك مساحة تقدر بمليون فدان في الموسم الشتوي ، تمت زراعتها خضر و فاكهة .
وعلى الرغم مما تمر به بلادنا ، فقد تمكن القطاع الصحي من توفير كل الأدوية الأساسية ، للكلى والأورام والطوارئ ، وتأمينها للولايات عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية ، و إستعادة خدمات معظم شركات الأدوية ، وعمل تسهيلات لهم مما أسهم في الوفرة الدوائية وتحقيق إستيراد تجاوز ال (200) مليون دولار خلال العام 2024م. وإستعادة عمل معظم المستشفيات ، التي تم تحريرها ، وإفتتاح خمسة مستشفيات جديدة ، و أكثر من (30) قسم متخصص للعناية و الأطفال حديثي الولادة ، والطوارئ الصحية خلال العام 2024م ، وتوفير أكثر من (50) عربة إسعاف جديدة للإسعاف القومي. كما تم ترفيع الخدمات التخصصية لمعظم الجراحات والتخصصات الطبية ، إلي جانب إحتواء الأوبئة التي ظهرت بالبلاد خاصةً الكوليرا و الضنك ، علماً بأنه قد تم إدخال التطعيمات لأكثر من (10) مليون نسمة ، وإدخال تطعيم الملاريا لأول مرة في السودان.و إستمرارية خدمات تحصين الأطفال، و إدخال التطعيمات في كل ولايات ومحليات السودان ، و إستعادة منصات الشراكات الدولية ، مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمة الدولية حيث تمت زيارة ، مدير عام منظمة الصحة العالمية د.تادروس أدهانوم ومدير عام منظمة اليونيسيف تيد شابان، ومدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط د.حنان بلخي، وقد تجاوز دعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، (242) مليون دولار خلال العام 2024م.
الي جانب كل ذلك ، وفيما يلي خدمات المياه والكهرباء ، تم إعادة الامداد الكهربائي في مدينة امدرمان الكبري و سنار و سنجة ، والتي انقطع عنها التيار الكهربائي منذ يونيو2024 ، حيث أُجريت اعمال صيانة وتاهيل لعدد من شبكات التوزيع و لمحطات استرايجية ، بلغ عددها 10 مواقع وذلك عقب تحريرها من يد المليشيا ، كما تم ربط المحطات بالتحكم الالي لعدد 6 محطات تتوزيع ونقل ، كما تم تاهيل عدد 129 محمول بالامكانيات المحلية ، و تم فتح مكاتب توزيع وتفعيل منافذ البيع ، كما تم توفير المعدات المطلوبة للصيانة و التاهيل مستقبلا ، بعد تحرير ماتبقي من مدن السودان .
إن الحكومة الحالية ليست مثالية ، لأنها وليدة نتاج حكومات سبقتها ، إمتازت بالفشل ، فهي بحاجة إلى تعزيز هيبتها و تحارب الفساد، و تقدم الخدمات بشكل أفضل ، وتبتدر سياسة خارجية استراتيجية. و علي الحكومة أن لاتهمل سلام جوبا الذي يمثل عهدًا واجب التنفيذ ، لمعالجة المظالم التاريخية ، وهذا أساسٌ للاستقرار و ينبغي البناء عليه ، تفادياً لإضافة فصل جيد علي كتاب (نقض العُهود).
أجدد العهد لكم ، بأننا سنواصل العمل من أجل سودان جديد ، سودانٍ حرٍ و مستقلٍ وموحد.، لن نتهاون في الدفاع عن وطننا وكرامتنا، سنجعل من العام 2025 عامًا للتغيير الحقيقي، سنواصل العمل حتى نرى وطننا ينعم بالحرية والسلام والعدالة.
سادساً في بريد النازحين و اللاجئين
أناشدكم من واقع تجربتي ، التي عشتها متجولاً بين مخيمات النزوح ، وأعلم حجم الالم والأسي الذي تشعرون به ، لذلك اناشدكم بالعودة الي مناطقكم و قراكم التي تم تحريرها ، و ستصلكم الخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وصحة ، فور وصولكم ، وفيما يخص معركة البناء و التعمير ، فهي مرحلة تلي عودتكم ، و ستتم بالجهود الرسمية والشعبية .
ختامًا، أيها الشعب السوداني الأبي،
في ذكري الإستقلال الغالي على قلوبنا ، نؤكد أن السودان سيظل شامخًا كجباله . لن تكسرنا جرائم المليشيا ، ولن تنال منا مؤامرات من يسعون لنهب مواردنا وإذلال شعبنا.
إننا، بفضل صمودكم وعزيمتكم، أقوى من كل تحدٍ، وأكبر من كل مؤامرة. شعب السودان لم يركع يومًا، ولن يركع أبدًا. ستظل بلادنا حرة، نبيلة، وجميلة، وشعبها فخورٌ برأسه المرفوع عاليًا، لا يعرف الانحناء إلا لخالقه.
يا بنات وأبناء السودان، سيروا في طريقكم بثقة، فالغد لنا، والنصر لنا، و لايفوتني أن أُهنئ منتخبا القومي والأولمبي لكرة القدم ، و الهلال و المريخ ، علي الانتصارات و إنطلاق الدوري الممتاز وهنالك إنتصارات دبلماسية وعسكرية و تنموية ، شهدها العام الماضي، فالمستقبل لسوداننا العظيم.
إن النصر دائمًا حليفنا ، لأننا أصحاب حق ، وأبناء أرضٍ لا تنبت إلا الشجاعة والصمود ، السودان الذي نحبه ونحلم به قادمٌ لا محالة ، وطنٌ للحرية، وطنٌ للسلام ، وطنٌ للعدالة. سنبنيه بسواعدنا، وسنحرسه بقلوبنا ، وسنتركه لأبنائنا وأحفادنا واحةً للكرامة ، ونموذجًا للوحدة والعزة.
كل عام وأنتم بخير، وكل عام والسودان بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إعلام مجلس السيادة الانتقالي
التعليقات مغلقة.