وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي يكتب العقوبات الأمريكية لانضاج أطماع لم تنضجها الحرب ؟!.
إن فرض الولايات المتحدة عقوبات على الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة السودانية يثير تساؤلات عديدة حول مغزى هذه الخطوة وتوقيتها. رغم أن العقوبات تبدو ظاهريًا موجهة لشخص البرهان إلا أنها في جوهرها تستهدف السودان كدولة ، ضمن سياق أوسع من التدخلات الدولية التي تسعى إلى التحكم في مسار البلاد السياسي والاقتصادي . في هذا المقال نحاول مناقشة دلالات وأبعاد العقوبات وفرص السودان والتحركات المأمولة لامتصاص آثارها على البلاد . فالعقوبات على رأس الدولة هي عقوبات على الدولة بأسرها ، وتجسد جزءً من تاريخ طويل من التدخلات الدولية التي استهدفت فرض أجندة على السودان عبر العقود ، بدءً من حقبة ما قبل استقلاله .منذ اندلاع حرب الجنوب عام 1955 وحتى اتفاقية أديس أبابا في 1972 ظل السودان يعاني من ضغوط دولية هدفها دفعه نحو خيارات محددة ، غالبًا تتعارض مع مصالحه الوطنية . تلك الحقبة شهدت فتح أبواب القروض أمام المشاريع التنموية ما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة واستدانة متواصلة عجز السودان عن سدادها . النتيجة كانت دولة غارقة في الديون ومثقلة بالصراعات . استمر الأمر على هذا النحو في التسعينيات والألفينات ، حيث فرضت العقوبات على السودان ، وانتهت بانفصال الجنوب في 2011 وهو فصل لا يمكن قراءته بمعزل عن المخططات الدولية لاستنزاف موارد البلاد وتقويض سيادتها . لذلك أي عقوبات تُفرض على السودان خصوصًا في هذا التوقيت فهي، سواء كانت موجهة إلى البرهان أو غيره ، تظل ضمن إطار الاستهداف المستمر للبلاد وثرواتها . ذلك لانضاج واقع لم تنضجه الحرب ، حيث تستغل القوى الدولية الأزمات الداخلية لصياغة سياسات تعزز النفوذ الخارجي على حساب الإرادة الوطنية .عليه لا بد من قراءة العقوبات في سياق الحرب ، من المهم ربط العقوبات بالصراع الدائر في السودان . إن مليشيا الدعم السريع ، التي ارتبطت بدعم دول إقليمية ودولية تمثل واجهة لتغيير ديمغرافي واقتصادي يخدم أجندات خارجية . وفي حين تُصنف الولايات المتحدة الأمريكية هذه المليشيا كمجرمة حرب ، تُظهر العقوبات تناقضًا واضحًا في هذه السياسة حيث تستهدف من يحارب المليشيا بدلاً من أن تدعمه ، لاسيما أن البرهان ينفذ إرادة شعبه في التحرير واستعادة الأمن والسلام . لذلك فإن أحد أهم أبعاد هذه العقوبات يتمثل في اعتماد الإدارة الأمريكية على تقارير مغلوطة ومعلومات غير دقيقة قدمتها أطراف معادية للحكومة والجيش السوداني . تلك التقارير تجاهلت جرائم مليشيا الدعم السريع ، بما في ذلك الانتهاكات الإنسانية والدمار الممنهج ، وركزت على تحميل الجيش السوداني مسؤولية الأزمة .لذلك صدور مثل هذه العقوبات في هذا التوقيت يعكس تطورات متشابكة : ضمنها تنامي تداعيات الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع عقب محاولتها الاستيلاء على الحكم ، بجانب أنها فرصة للقوى الدولية للتدخل عبر أدوات اقتصادية وسياسية لتعزيز مصالحها . بالإضافة إلى التحولات الجيوسياسية من خلال توجه البرهان نحو تعزيز العلاقات مع روسيا والصين يُعد تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، مما يجعل العقوبات أداة ضغط لثنيه عن هذا المسار . لذلك وبحسب خبراء فإن مثل هذه العقوبات تمس بمكانة السودان دوليًا ، حيث تصبح الدولة رهينة لإملاءات القوى الكبرى ، مما يعيد إنتاج تجربة العقوبات على الرئيس البشير وما خلفته من أزمات على الدولة السودانية. لذلك على الرئيس البرهان الاتجاه من فوره نحو حلفائه الجدد بخطى واثقة ودون تردد ليضمن عدم ارتهان البلاد للأطماع الدولية .كذلك في السياق المحلي : العقوبات تعطي البرهان فرصة لتعزيز شعبيته الداخلية ، إذ يُنظر إليها كإجراء ظالم يعاقب السودان على مواجهة التمرد ويُعيد تسليط الضوء على ازدواجية المعايير الأمريكية . لذلك يجب استثمار العقوبات في مزيد من الالتفاف حول رأس الدولة والجيش مع تحفيز الإنتاج لتجاوز أي تفاقم محتمل للأوضاع المعيشية في السودان ، خصوصًا مع اعتماد البلاد على الدعم الخارجي لتمويل مشاريعها الحيوية . كذلك سياسيًا : يجب مجابهة هذه العقوبات بتحركات دبلوماسية واسعة على الصعيدين العالمي والإقليمي حتى لا تضعف قدرة السودان على المناورة الدولية ، وتفادي العزلة السياسية . تجربة السودان مع العقوبات الأمريكية في عهد الرئيس البشير خير مثال على ذلك ، حيث لم تُعاقب تلك العقوبات القيادة ، بل أثرت سلبًا على الشعب بأكمله ، سياسيًا واقتصاديًا .السياق الدولي يكشف عن مخططات أعمق من مجرد استهداف البرهان ، إذ تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لضمان السيطرة على الموارد السودانية ومنع أي محاولات للاستقلال السياسي أو الاقتصادي . التحركات الأمريكية تتسق مع تاريخ طويل من التدخلات في السودان ، بدءً من دعم اتفاقيات تخدم مصالحها ، وصولًا إلى تغذية النزاعات الداخلية واستخدام العقوبات كأداة هيمنة . إن العقوبات الأمريكية تُبرز أهمية تبني نهج جديد يقوم على تقوية الجبهة الداخلية وتطوير شراكات استراتيجية مع قوى دولية غير منحازة . على السودان أن يوجه بوصلته نحو تحقيق استقلالية حقيقية في القرار السياسي والاقتصادي ، بعيدًا عن تأثيرات العقوبات أو الإملاءات الخارجية . حتى تعطيه العقوبات حرية أكبر في تعزيز علاقاته مع المحاور الشرقية ، مثل روسيا والصين ، دون الخوف من ردود أفعال الغرب . هذا التحول إذا ما استُثمر بشكل صحيح قد يكون نقطة انطلاق جديدة للسودان نحو تنويع تحالفاته الدولية وتحرير قراره السيادي .هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن السودان يظل بين الضغط الدولي والإرادة الوطنية. لذلك يحتاج إلى مزيد من التفاف الشعب حول القيادة والجيش لدعمها على تحويل هذه التحديات إلى فرص وتنويع الشراكات الدولية ، وترسيخ مشروع وطني جامع يُحصن البلاد من التدخلات الخارجية ويضمن استقرارها وسيادتها .دمتم بخير وعافية .الأحد 19 يناير 2025م. [email protected]
التعليقات مغلقة.