وجه الحقيقة… إبراهيم شقلاوي يكتب “التنسيق السوداني-المصري و قضايا الأمن المائي”

بالنظر إلى الحاجة المتزايدة لتأمين الموارد المائية والتوسع في المشروعات الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي. انعقد الأسبوع الماضي الاجتماع التشاوري الأول لوزراء الخارجية والري والموارد المائية في السودان ومصر بالقاهرة، في خطوة تعكس رغبة مشتركة لتعزيز التعاون في ملف المياه ومواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بحوض النيل وسد النهضة الإثيوبي. هذا اللقاء جاء في ظل استمرار إثيوبيا في سياساتها الأحادية المتعلقة بالسد دون اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات الملء والتشغيل، مما دفع السودان ومصر إلى تعزيز التنسيق الاستراتيجي لحماية مصالحهما المائية. في هذا المقال نتعرض لاهم ماجا في هذا الإجتماع بالنظر الي التحديات التي يواجهها السودان في ظل الحرب واهم اتجاهات خطته في اليوم التالي.

السودان ومصر أكدا أن الأمن المائي للبلدين يشكل وحدة مترابطة، مما يستدعي تنسيقاً دائماً في المواقف الإقليمية والدولية، مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية الحاكمة لتوزيع المياه. هذه الرؤية تعكس قلق البلدين من استمرار إثيوبيا في اتخاذ قرارات أحادية قد تؤثر سلباً على تدفقات المياه، وهو ما دفعهما إلى التشديد على ضرورة تفادي أي تحركات منفردة تضر بمصالحهما المائية. يستند موقفهما إلى عدد من الاتفاقيات التاريخية،

أبرزها اتفاقية 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، التي التزمت بموجبها الأخيرة بعدم إقامة أي منشآت على النيل الأزرق دون موافقة السودان ومصر، إلى جانب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين حددتا الحصص المائية لكلا البلدين. كما أن إعلان المبادئ لعام 2015، الذي وقعته السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، أكد ضرورة التوافق حول تشغيل السد وتبادل المعلومات الفنية، إلا أن الالتزام به لا يزال محل جدل، مما يجعل المطالب السودانية-المصرية تستند إلى إطار قانوني يهدف إلى ضمان الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل.

المباحثات تناولت التطورات الأخيرة في ملف سد النهضة، حيث تمت مناقشة المخاطر المترتبة على الملء الأحادي، خاصة فيما يتعلق بأمان السد وتأثيراته المحتملة على تدفقات المياه. السودان ومصر أكدا أهمية استمرار التحركات الدبلوماسية المشتركة لإيجاد حلول سلمية وسياسية بعيداً عن التصعيد، مع ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم يحفظ حقوق جميع الأطراف. في ظل التحركات الإثيوبية الأخيرة، مثل إدراج زيارة سد النهضة ضمن فعاليات “يوم النيل”، برزت مخاوف من محاولات أديس أبابا لإقحام دول الحوض في الخلاف القائم، وهو ما قد يؤثر على التماسك الإقليمي داخل المبادرة، خاصة مع دعم بعض دول المنبع للموقف الإثيوبي، بينما أبدت دول أخرى مثل جنوب السودان وبوروندي رغبة في الحفاظ على علاقات متوازنة مع مصر والسودان، خشية حدوث توترات إقليمية تؤثر على استقرار المنطقة.

المباحثات امتدت إلى الملفات التنموية، حيث استعرض السودان خططه لإعادة الإعمار، خاصة في القطاعات المرتبطة بالمياه مثل الزراعة والتوليد الكهربائي. مصر أبدت استعدادها للمساهمة في دعم هذه الجهود، لا سيما في تنفيذ قرارات مجلس وزراء المياه العرب الخاصة بتحسين البنية التحتية المائية في السودان التي تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الحرب. لمصر في هذا الجانب تجارب جيدة مع السودان، حيث قامت من قبل عبر شركة المقاولون العرب بتشييد جسر شندي-المتمة، إلى جانب تطوير مصانع الأسمنت السودانية.

تحسين إدارة الموارد المائية في السودان يتطلب تعزيز الاستثمارات في مشروعات تطوير البنية التحتية واستغلال المياه الجوفية، خاصة أن السودان يمتلك احتياطات كبيرة من المياه الجوفية يمكن أن تكون بديلاً استراتيجياً في ظل التغيرات المناخية وتأثيراتها على تدفقات النيل، مما يتيح إمكانية الاستفادة منها في بعض الولايات التي تعاني من شح المياه. تشير تقارير دولية إلى أن انخفاض معدلات الأمطار في بعض مناطق الهضبة الإثيوبية قد يؤثر على تدفقات النيل الأزرق مستقبلاً. في المقابل، يواجه السودان تحديات متزايدة بسبب الفيضانات الموسمية والجفاف في بعض الأقاليم، مما يجعل من الضروري تطوير سياسات إدارة الموارد المائية بما يتناسب مع هذه المتغيرات.

مبادرة حوض النيل شكلت محوراً مهماً في النقاشات، حيث أبدى السودان ومصر اهتماماً بإعادتها إلى أسسها التوافقية، إلا أن استمرار الخلافات بين الدول الموقعة وغير الموقعة على الاتفاقية الإطارية ألقى بظلاله على مستقبلها. الرؤية بشأن تحويل المبادرة إلى مفوضية لا تزال غير واضحة، وسط تباين المواقف بين الدول الأعضاء، حيث تطالب إثيوبيا ودول المنبع بإعادة توزيع الحصص، بينما يتمسك السودان ومصر بالاتفاقيات التاريخية.

في ظل هذه التحديات، يجب أن تتبنى وزارة الري السودانية خطوات فاعلة لمعالجة قضايا الأمن المائي وإدارة الموارد المائية بكفاءة أكبر، لمجابهة التحديات التي فرضها واقع الحرب، من خلال إعادة تأهيل مشاريع الري والبنية التحتية لتحسين كفاءة استخدام المياه وتقليل الفاقد المائي، إضافة إلى تطوير سياسات إدارة الموارد المائية عبر تحديث القوانين وتعزيز الشفافية في توزيع المياه بين القطاعات المختلفة، مع الاستمرار في مشروعات حصاد المياه لمحاربة العطش ومعالجة الهشاشة المائية في بعض الولايات، واستكمال خطة “صفرية العطش”التي بدأت منذ 2017 ولم يكتمل تنفيذها بسبب الظروف السياسية والأمنية.

من الضروري أيضاً تعزيز التعاون الإقليمي والدولي عبر الانخراط في مفاوضات أوسع مع دول حوض النيل والدول المانحة، إلى جانب تصعيد التحركات الدبلوماسية للضغط على إثيوبيا عبر المحافل الدولية لضمان التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيل سد النهضة في الفترات الطبيعية وفترات الجفاف والجفاف الممتد.

من النتائج المهمة لهذا الاجتماع اتفاق الجانبين على أهمية استمرار اللقاءات الدورية بصيغة (2+2) للحفاظ على درجة عالية من التنسيق السياسي والفني، مع تنظيم ورشة عمل رفيعة المستوى لمناقشة تأثيرات قضايا المياه على الأمن الإقليمي والتغير المناخي. هذه التحركات تعكس سعياً واضحاً لتعزيز الأمن المائي بين السودان ومصر في مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة.

رغم استمرار الجمود في ملف سد النهضة، إلا أن الجهود الدبلوماسية الجارية تعكس رغبة في إيجاد حلول مستدامة، بحسب ما نراه من وجه الحقيقة يبقى نجاح كل هذه الجهود رهين بمدى التزام الأطراف الإقليمية بقواعد القانون الدولي، وقدرة السودان ومصر على توظيف أوراق الضغط المتاحة في المحافل الدولية لضمان حقوقهما المائية. و الاستفادة المثلى من الموارد المائية، إلى جانب تطوير الأراضي الزراعية وتبادل الخبرات والتدريب في مجال الإصلاح الزراعي، هذه هي العوامل الأساسية لتحقيق النهضة وتعزيز التكامل بين الشعبين.
دمتم بخير وعافية.
السبت 1 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com

التعليقات مغلقة.