همس الحروف.. بكل شفافية من يعرقل صادر اللحوم الحمراء الحية بين السودان و مصر ، و لمصلحة من ؟✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

تعد حمهورية مصر واحدة من أكبر الدول العربية استهلاكاً للحوم الحمراء ، وحاجتها لهذه السلعة الحيوية تتجاوز قدرتها على الإنتاج المحلي ، ما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتغطية الفجوة الغذائية الداخلية لها ، و السودان يمتلك ثروة حيوانية ضخمة ومراعٍ طبيعية شاسعة ، تكفيه وتزيد عن حاجته ، و لكن على الرغم من كبر حجم ثروته ، فأنه لا يسهم في تغطية أكثر من 12% فقط من حاجة مصر .

هذا الرقم الضئيل الذي يمثل فقط 12% من حاجة مصر الكلية ، وعلى الرغم وفرة المورد في السودان ، إلا أنه يستطيع من الإيفاء به ، مما يثير ذلك كثيراً من التساؤلات ، فإذا كانت مصر مستعدة لاستقبال اللحوم السودانية الحية ، بل و ترحّب بها من أي منفذ كانت ، سواء جاءتها من الباب ، أو من الشباك ، فلماذا لا نستفيد نحن في السودان من هذه الفرصة الذهبية ، و نسهل عملية الصادر ؟ .

الحقيقة أن الثروة الحيوانية لا تُخزن ، فإما أن تصدر و تستغل ، أو تُهدر و يفوت أوانها ، و في الوقت الذي نحتاج فيه لعائدات الصادر لدعم الاقتصاد ، نجد أن التصدير يواجه سلسلة طويلة من المعوقات ، و نقدر ان نجزم بأن معظمها يقع تحت طائلة الملف (الأمني) ، والبعض الآخر مرتبط بالمصالح الشخصية و الفساد .

الأمر المحيّر أن مصر تسير بخطى حثيثة لتأمين وارداتها ، و تُخطط لفتح مصادر جديدة لها حول العالم لتغطية الفجوة الغذائية الداخلية ، و قد شرعت الآن في إنشاء طرق جديدة توصلها لأسواق جديدة ، و وقعت عقد لإنشاء طريق غاري عبر ليبيا إلى العمق الإفريقي ، و إذا تم هذا الطريق ، من المؤكد أنه سيُقصي تماماً على إستبعاد السودان من خارطة وارداتها إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه .

و هنا يبرز سؤال مهم … من هو المسؤول عن عرقلة صادر اللحوم السودانية الحية ؟؟؟؟ ، هل هي عفوية البيروقراطية ، أم أن هناك من يعمل هذا عمداً لتعطيل هذا القطاع الحيوي ؟ ، و لمصلحة من يتم ذلك ، و لماذا يُضطر الآن بعض المصدرين إلى سلوك طرق غير رسمية ، أو ما يعرف بالـ(شباك) ، مما يفقد الدولة رسوم الجمارك ، وعائدات التصدير ، و الرسوم الولائية المحلية ، و يغري التهريب بصورة مباشرة .

الأغرب من كل ذلك أن الجهات التي يُفترض أن تراقب وتحمي الصادر ، تبدو غائبة ، أو مغيّبة عن ما يجري الآن في حلحلة هذه المشاكل ، لقد أصبح الباب موارباً بينما الشباك مفتوحاً على مصرعيه ، فهل تغرّد هذه الجهات مع السرب الوطني الحريص على المصلحة العامة ، أم أنها تغرد خارج سربها ؟ ، و هل تعلم هذه الأجهزة النظامية أن ما يُحرم منه السودان من دخل هو جزء من المرتبات التي تُصرف لهم في آخر الشهر ؟ .

من المهم أن تعي الأجهزة الأمنية و الرقابية أن تصدير اللحوم الحمراء إلى مصر لا يدرّ عائداً نقدياً مباشراً بالعملة الصعبة كما يظن البعض ، إذ إن مصر لا تسدد قيمة الواردات من السودان بالدولار الأمريكي ، و إنما بالجنيه المصري ، و هو عملة محلية لا يسمح بخروجها من الأراضي المصرية ، و بالتالي ، فإن التعامل التجاري بين البلدين يأخذ شكل (التبادل السلعي) ، أي أن قيمة الصادرات السودانية تعود إلى السودان في صورة واردات سلعية مختلفة ، ما يتيح للدولة السودانية الاستفادة منها في تغطية احتياجاتها من السلع الأساسية ، و المعدات وغيرها ، وعليه ، فإن تصدير اللحوم إلى مصر لا يعد هدراً اقتصادياً ، بل فرصة استراتيجية لتأمين احتياجات البلاد في ظل ندرة النقد الأجنبي .

إن الواقع يفرض علينا مواجهة الحقائق بشفافية مطلقة ، و يجب ألا نغطي على الحقائق ، فإن السودان لا يعاني من نقص في الموارد ، بل من سوء في إدارتها ، و من غياب الإرادة السياسية الراشدة و الإدارة المؤسسية لتمكين الصادر من العمل عبر القنوات الرسمية ، إذا أردنا فعلاً أن نكون شركاء حقيقيين في الاقتصاد الإقليمي ، فعلينا إزالة المعوقات الداخلية ، و تفعيل دور الجهات الرقابية ، وتقديم التسهيلات للمصدرين ، ومحاسبة كل الذين يعرقلون هذه العملية الحيوية حتى يكونوا عظة لغيرهم .

فإستثمار الفرصة ما زال قائماً ، و لكن الوقت لا ينتظر المترددين .

اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد

معنون إلى

1/ السيد والي الولاية الشمالية
2/ السيد وزير المالية بالولاية الشمالية
3/السيد مدير التجارة الخارجية و كافة المؤسسات التنفيذية و الرقابية ذات الصلة بمنظومة التجارة الخارجية
4/ إلى الشعب السوداني المعلم

التعليقات مغلقة.