شهادة جديدة للتاريخ في ذكرى إعدام “محمود محمد طه ” !.. بُعْدٌ .. و .. مسافة* كتب : مصطفى أبوالعزائم

*

أولاً: اعتذر للقارئ الكريم على طول العنوان أعلاه ، لكن كما نقول دائماً فإن للضرورة أحكام . ثانياً : أجد نفسي مضّطراً لفتح باب جديد للنقاش حول قضية قديمة لم يؤثر عليها مرور الوقت ، ولا تطورات الأحداث ، وهي قضية إعدام الأستاذ “محمود محمد طه” ، زعيم الجمهوريين الذي تم إعدامه نهايات حكم الرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري” ، تحديداً في صبيحة يوم الجمعة الخامس والعشرين من يناير عام 1985م ، بعد أن تم تقديمه للمحاكمة في السابع من يناير من ذات العام ، هو وأربعة من تلاميذه وحملة فكره ، هم عبد اللطيف عمر حسب الله ، ومحمد سالم بعشر ، وتاج الدين عبد الرازق ، وخالد بابكر حمزة ، بعد أن ألقت عليهم أجهزة الأمن القبض وهم يوزعون المنشور الجمهوري الأشهر (هذا أو الطوفان) في 25 ديسمبر من العام 1984م ، الذي إنتقد فيه الحزب الجمهوري إعلان وتطبيق الشريعة الإسلامية ، والتي قال عنها زعيمهم الأستاذ “محمود محمد طه” من داخل المحكمة إنه لا يعترف بها .
ثالثاً: هناك مفاجأة ما كان لي أن أتوقعها لولا أنني سمعت تفاصيلها من المغفور له بإذن الله ، البروفيسور ” مالك حسين” ، وقد كان من أكثر السياسيين قرباً وإقتراباً من زعيم الجمهوريين ، وسبق لي من قبل الإشارة إلى أنه ومساء نفس يوم صدور حكم الإعدام على الأستاذ “محمود محمد طه” ورفاقه ، كنت قد توجّهت إلى منزل الأستاذ محمود في الثورة شمال حديقة الحارة الأولى ، برفقة الزميل والصديق الأستاذ “نجيب نور الدين” لاستجلاء حقيقة موقف الجمهوريين ، ومعرفة ردة فعلهم بعد صدور الحكم على زعيمهم ، وكنا وقتها نعمل في صحيفة “الأيام ” التي كان يرأس تحريرها أستاذنا الكبير الراحل المقيم إبراهيم عبدالقيوم ، وذكرت أكثر من مرة أنه ولحظة وصولنا إلى منزل الأستاذ “محمود محمد طه” ، وصل الدكتور “مالك حسين” ، ومعه مجموعة من السياسيين ، توقعنا أن يكونوا (وسطاء) بين الرئيس “نميري” وبين الجمهوريين ، وقد أكّد لي البروفيسور “مالك” ذلك الأمر فيما بعد ، وذكر لي أن وفدهم الصغير ذاك كان يضم البوشي وآخرين .
أما المفاجأة التي فجرّها البروفيسور “مالك حسين” ، فإنها لم تكن اتفاقهم مع النظام المايوي على إعادة محاكمة الجمهوريين حال استئناف الحكم ، بل تعدّت ذلك إلى ما هو أبعد.. وهو مشاركة الدكتور “حسن عبد الله الترابي” في إعدام “محمود محمد طه” ، وكان ضمن الذين حضروا التنفيذ وشهدوه في ذلك الصباح البارد من يناير.
المفاجأة كانت في أن البروفيسور “مالك حسين” ، جزم بأن الدكتور “حسن الترابي” لم يكن أحد شهود تنفيذ حكم الإعدام ، بل روى تفاصيل العملية كاملة ، وقال إن “محموداً ” طلب أن يصعد المنصة دون معاونة الحارس ، وكان وجهه مغطى بما يشبه “الكيس” أو الغطاء الأسود ، وإنه وقف بشجاعة فوق منصة الإعدام حتى تم ذلك ، وسط هتافات عالية ضد الحكم وضد النظام مِن بعض مَن كانوا في عنابر سجن كوبر ، وقد أكد ذلك كثيرون ممن كانوا رهن الحبس والإعتقال ، كما تعالت تهليلات وتكبيرات شقت عنان السماء من قبل خصوم الأستاذ محمود محمد طه وخصوم الجمهوريين .. لكن الدكتور “حسن الترابي” لم يكن من بين الهاتفين ولا الحاضرين.
قلت للمرحوم البروفيسور “مالك حسين” إنني سأنشر شهادته تلك.. فقال أنشر .. وقد فعلت ذلك وقتها ، وهأنذا أفعل بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لإعدام الأستاذ محمود محمد طه ، والتي كانت سبباً مباشراً في إنتفاضة رجب أبريل التي بدأت أواخر مارس 1985م بمظاهرة خرجت من حرم جامعة أم درمان الإسلامية ، التي كان يرأس إتحاد طلابها آنذاك الطالب “عمر يوسف الدقير” رئيس حزب المؤتمر السوداني لاحقاً ، وقد إنتشر خبر تلك المظاهرة في لحظات إلى كل أرجاء العاصمة ، وكنت وقتها مع السيد ” عبد الله أبو كنة ” ضابط إداري مدينة المهدية (الثورة) وقتها ، والخبير الإداري الحالي ، وعندما بلغنا الخبر، قلت له إن “مايو” انتهت !!
كثيرون تطابقت توقعاتهم حول نهاية النظام ، فقد قال بذلك أستاذنا البروفيسور “علي شمو”، وكان وزيراً للإعلام وقتها ، قال بذلك داخل إجتماع مجلس الوزراء (الطارئ) ، وقد إطّلعت لاحقاً على محضر ذلك الإجتماع .
وكان من تعليقات ذاك الزمان ، تعليق أطلقناه ممازحين لبعض أصدقائنا من المايويين ، قلنا فيه : ( “طار” رأس النظام السابق .. ولم يبق للجسد إلا أن يسلم الروح) ، وكانت المناسبة هي سفر الرئيس “نميري” إلى “الولايات المتحدة الأمريكية”.

Email : [email protected]

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.