بُعْدٌ .. و .. مسَافَة* *مصطفى أبوالعزائم **ماذا لو عاد النميري يومذاك
* ..؟* قبل أيام قليلة ، مرّت ذكرى السّادس من أبريل 1985 م ، ذكرى الإنتفاضة الشّعبية التي أطاحت بالحكم المايوي الممتد من 25 مايو 1969م ، وحتى ذلك اليوم من العام 1985م ، وسالَ مدادٌ كثيرٌ ، وطارتْ جُملٌ ومفردات من أفواهٍ عديدة ، منها من شارك حقيقة في صناعة التغيير ، ومنها ما حاول تزييف الوقائع لصالحه ، متناسين إن التاريخ يكتبه دائماً من في يده القلم ، وأمامه (المايكرفون) ! لا زلت أذكر تفاصيل تلك الأحداث ، كأنما قد وقعت بالأمس ، ومنذ أن سمعت بنبأ خروج طلاب جامعة أم درمان الإسلامية في مظاهرة ضد النظام ، وكنت وقتها داخل مكتب أخي وصديقي الخبير الإداري الحالي ، السيّد عبد الله أبو كنّة ، وكان وقتها ضابط مجلس مدينة المهدية ، ومقرّه الحارة الأولى ، بمدينة الثورة ، منذ أن سمعت بالنبأ، قلت لأخي «أبو كنّة» : (لقد سقط النظام) . قلت قولتي تلك وفي خاطري منزل الشيخ الأستاذ يس عمر الإمام ، الغائب عن أهله بسبب الإعتقال ، وهو لا يبعد سوى خطوات من المجلس ، وفي ذهني منزل الأستاذ محمود محمد طه ، الذي خلَى إلى الأبد من صاحبه ، بسبب الإعدام ، وهو لا يبعد إلّا عدة أمتار من ذات المبنى الذي يضم مجلس مدينة المهدية. وتذكّرتُ كيف تعاطفنا مع زعيم الجمهوريين ، ووقفنا ضد إعدامه ، وإتخذنا موقفاً جماعياً داخل صحيفة «الأيام» التي كان يرأس مجلس إدارتها وتحريرها أستاذنا وأستاذ الأجيال الراحل حسن ساتي رحمه الله ، وكتب كلمةً في ذات الإتجاه ، ونسّق مع أستاذنا الكبير وأستاذ الأجيال الراحل ، فضل الله محمد رحمه الله ، رئيس تحرير صحيفة الصحافة آنذاك لتنشر الصحيفتان كلمة موحّدة ، تدعو إلى مراجعة الأحكام. طافت تلك الصور بذهني ، مع صورِ حملةٍ شرسة أخذت تستهدف خصوم النظام المايوي ، الواحد تلو الآخر ، وترمي بهم في السّجون موزّعين ما بين «كوبر» و«شالا» و«بورتسودان» وغيرها. تذكّرتُ كيف هجم رجال الأمن على منزل الأستاذ محمود محمد طه ليلاً ، يوم صدور حكم الإعدام ، وكنت وزميلي الصّحفي الكبير الأستاذ نجيب نور الدين قريبين من مدخل المنزل وبابه ، وشاهدنا الدكتور مالك حسين رحمه الله وآخرين يخرجون من المنزل في مسعىً كريمٍ منهم لقيادة وساطة تُبْطِل الحكم وتخفّفه ، لكن الأحداث توالت ، وبدأ رجال الأمن حملتهم لإعتقال أصحاب الأستاذ وأتباعه ، وبعضهم كان يتجه مباشرة للبوكس التويوتا ليصبح رهن الإعتقال ، ولم نفعل مثلما فعل أولئك ، بل توجّهنا غرباً حيث لا يبعد منزلنا كثيراً عن منزل الأستاذ محمود محمد طه. كل تلك الصور والأحداث ، والمطاردات لخصوم النظام كانت تتواصل ، وأخذ الشيوعيون يجتمعون مثلما أخذ الإتّحاديّون والأمّة ، ومن تبقَّى من منسوبي الحركة الإسلامية ، حتى أن هناك طرفة ظل منسوبو الحركة الإسلامية يتبادلونها مع الضيق والعنت الذي عاشوه ، فقد تمّ القبض على الدكتور سعيد الحسين – مدير الأوقاف الأسبق – وله أخ شقيق يدعى «سعد».. قابله واحد من كبار الشيوخ وقال له جاداً وبلغة رصينة: «انج سعد، فقد هلك سعيد». الأستاذ عبد الله الشيخ كان ضمن طلاب الإسلامية آنذاك ، وقال إن الشّيوعيين كانوا يدعون إلى تأجيل الخروج إلى الشارع ، لكن فورة الحماسة كانت أقوى ، وعندما قُضِي الأمر ، سألهم الآخرون عن سبب دعوتهم إلى تأجيل الخروج إلى الشّارع ، فقالوا بكل وضوح إنهم كانوا يأملون في عودة النميري من رحلته الخارجية ، ليأتي ويصفّي الإسلاميين الذين رمى بهم في السجون ، ثم ينقلب عليه الشعب بعد ذلك ! . قبيل سقوط النظام بساعات كانت أجهزة الأمن تبحث عن السيّد الصادق المهدي ، لإعتقاله وقد كان رحمه الله في ليلة إتخاذ قرار الإعتقال ، كان قريباً من منزلنا في الحارة الأولى بالثورة ، يبارك زيجة وعقد قران جارنا وصديقنا وإبن دفعتنا ، عصام الدين حامد حاج بلال ، ووالده رحمة الله عليه كان من كبار ورموز الأنصار ؛ دخل السيّد الصادق المهدي وخرج بعد أن قدّم التهاني ، لتهجم قوة أمنية للقبض عليه لكنه كان قد غادر وإختفى . تُرَى ما هو الموقف لو أن النميري عاد في ذلك الوقت.. هل كان سيعمل على تصفية الإسلاميين.. أم يصالحهم من جديد، وماذا كان سيكون موقفه من السيّد الصادق المهدي، ومن الاتحاديين وغيرهم؟.. الله وحده يعلم.Email : [email protected]ه
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.