قصة قصيرة جداُ .. “الطالب عبد اللطيف و معركة اللحاق بعامه الدراسي .. و الخطوط الجوية السعودية” ..!!! كتب… الباقر عبد القيوم علي

☘️????☘️

همس الحروف

قصة كفاح كبيرة خاضها الشاب عبد اللطيف في خضم ويلات حرب ضروس لا أحد يعلم لها سبب منطقي غير إختلاف مزاج القادة و الساسة مع بعضهم حول كعكة الحكم ، فجرت خلفها مآسي و آلام و مرارات و ضياع أرواح و ممتلكات و سقطت فيها القيم و الأخلاق و دفعن فيها الحرائر أثمان باهضة أقلاهن الخوف المرعب من كل شيء حولهن ، فقد روعت هذا الحرب كامل الشعب السوداني و كشفت سوءة شرائح منه و بينت سواد نوايا البعض و قتلت جميع آماله العريضة و كذلك الفرح و قد.حطمت كل شيء جميل كان يحلم به الشباب ، و عرف المواطن أن الحياة في أوطان هشة ضرب من ضروب الضياع .

إندلعت الحرب يوم 15 من أبريل في يوم سبت نحس و كان من المقرر أن يسافر عبد اللطيف يوم 24 من نفس هذا الشهر ليلحق بداية عامه الدراسي في جامعته بماليزيا و لكن الحرب حالت دون ذلك حيث تم إغلاق جميع الأجواء و المواني ما عدا مصر التي فتحت أذرعها إلى جميع أهل السودان بكل ترحاب عبر معابرها الحدودية ، و لكن كان من الصعوبة بمكان أن يحصل على تأشيرة دخول إلى مصر بسبب تزاحم الشباب بقنصلية حلفا ، و حينها قرر السفر براً إلى إثيوبيا و من هنالك يمكنه أن ينطلق إلى وجهته التي يريد و ليته فعل ذلك و لكن المقادير ساقته إلى إحداثيات أخرى لشيء أراده الله ليكشف لنا سقطات أقوام كنا نظن فيهم الخير ، إلا أن ضمانات أمان الطريق إلى العاصمة أدس أبابا كانت ضعيفة جداً و محفوفة بالمخاطر و ذلك لأن إثيوبيا تعيش نفس ما يعيشه السودان من عدم إستقرار في الأحوال الأمنية بسبب الإحتراب .

أسرة عبداللطيف عاشت في قلق شديد و توتر و ترقب لتأخر إبنها من السفر و لكنها كانت مؤمنة بالمقادير السماوية ، و كانت تبحث له في كل الممكن و ذهبت أبعد من المستحيل لأجل تسهيل إجراءات سفره .

في تلك الأثناء نشرت بعض من الصحف المحلية و المواقع الإلكترونية ذات الثقة العالية في جودة أخبارها أن السلطات المختصة بولاية البحر الاحمر تنوه كل الذين لديهم إقامات في دول الخليج بإستثناء السعودية و كذلك الذين لديهم إقامات في الدول الآسيوية يمكن ان يتم نقلهم إلى وجهاتهم عبر الطيران القطري .. كم كانت فرحة عبد اللطيف و أسرته عظيمة بحجم ضخامة هذا الخبر الذي منحهم بارقة أمل عبر دولة عربية ، و خصوصاً أن تزكرة سفر عبد اللطيف كانت بداية على الخطوط الجوية القطرية .. فما كان من أسرته إلا و ان وضعوا آمالهم مع هذا الخبر موضع الجد و شدوا رحال إبنهم تواً إلى مدينة بورتسودان التي تبعد ألف كيلو متر من الخرطوم ، و في نفس الوقت كان السفر تحفه كثير من المخاطر ، إلا أنهم أودعوه أمانة الله و ودعوه بدموع سخينة و لسان حانهم يقول له إن شاء ما آخر وداع يا عبد اللطيف ، و لكن كم كانت المفاجئة صادمة بعد وصوله إلى مدينة بورتسودان ، حيث تكشفت لهم فيما بعد إن الخبر قد تبدلت فيه جزئيات كثيرة و تغيرت و هذه سمة معهودة في وطننا العربي ، و قد أصبح الأمر بقدرة قادر يخص فقط المقيمين في الدوحة ، و لكن عزيمة و شكيمة هذا الشاب الخلوق لم تنكسر أبداً من أجل تحقيق مراده حيث تحضرني رائعة الشاعر الإنسان عبد القادر الكتيابي التي تتجسد فيها قوة العزيمة لتحقيق الأهداف المنشودة و التي تقول :

لمحتك
قلت بر آمن .. بديت أحلم
ألملم قدرتى الباقية
وأشد ساعد على المجداف
تلوّح لى .. مدن عينيك
وترفع لى منارة بسمتك .. سارية
وبديت أحلم .

و ها هو عبد اللطيف الشاب الصغير ما زال يشد بساعده على المجداف و يصارع الأمواج العاتية هنا و هنالك لإقناع الإخوة القطريين المتواجدين بفندق السواحلي بمدينة بورتسودان بقضيته و بأهمية سفره و انه في كل الاحوال سيسافر عبر الدوحة إذا كان مطار الخرطوم مفتوحاً على الرغم بأن ليس لديه إقامة في الدوحة و لكن لم تكن هنالك آذان صاغية لتسمع حديثه ، فأصبح حديثه معهم كالحرث في البحر ، لأن هنالك بعض البشر لا يعيرون غيرهم أدنى إهتمام لإيصال صوتهم و قد سد هذا الباب تماماً في وجه هذا الشاب المكافح ، إلا أن الإيمان ما زال يملأ قلبه الصغير و هو ممن يثقون تماماً في فرج الله التي سيأتي لا محال .

ما زالت عزيمة الشاب عبد اللطيف متماسكة و لم تغادر البسمة شفتيه على الرغم من كل المعطيات السالبة حول أمر سفره ، و ما زال يصارع بضراوة الأسود ، حيث جلس بمدينة بورتسودان إحدى عشر يوماً يكافح بكل ما يملك لإنقاذ عامه الدراسي من الضياع ، فلم يستسلم قط و كأنه محارباً شرساً ، و ما زال يطرق بشدة كل الأبواب حتى علم أن أمر سفره يمكن إن يتم عبر الخطوط الجوية السعودية ، فما كان منه إلا أن جمع أشتاته في زمان تشتت فيه كل أمال الشعب السوداني و إستطاع بمشقة أن يوفر تزكرة سفر على شركة بدر للطيران من بورتسودان إلى جدة ، و كم كانت المشقة المادية في ظل ظروف حرب عبثية كانت من أجل الخراب ، و كم كانت المصاعب في توفير هذه التزكرة ، و التي يجب أن تكون ملحقة بتزكرة أخري من جدة إلى الرياض و من الرياض إلى كوالالمبور ، قد تكون حكاية هذا القصة هين في السرد ، و لكنه كان بحجم جبل أحد في صعوبته على أرض الواقع ، فكم كان شاقاً في ظل ظروف صعبة تمر بها بلادنا ، و تحت وطأة حرب عبثية قضت على الأخضر و اليابس ، و لكن بعزيمة هذا الشاب كانت تتكسر عنده الهزيمة تلو الهزيمة ، حتى حلقت به طائرة بدر و ها هو يرفع تمام وصوله من مطار جدة ، و هنا كانت تكبيرات أهله تتعالى فوق تقاطع أصوات طائرات الميج و مدافع المضادات الأرضية ، و كم كانت الفرحة تغمرهم لوصول إبنهم (بلاد الحرمين الشريفين) ، و سرعان ما أسرع عبد اللطيف ليكمل إجراءات سفره ، إلا أن العوائق التي تكون من صنع البشر الذين إختصهم الله بصناعتها لأجل تحطيم أحلام البعض من أجل التلذذ بها ، فحاولوا كأمواج هادرة تكسير جميع مجاديفه و كم كان هنالك كثير من العنت في إنتظارة ، و من المؤكد أن هذه الأمور شائعة عندما يتم إسناد المهمام إلى أناس ليسوا على درجة من المسؤولية و في نفس الوقت يدعون أنهم على درجة منها ، و هم أبعد ما يكونون عن ذلك ، ففعلوا معه ما يفعله الثور في مخزن الخزف ، إنهم موظفو الخطوط الجوية السعودية بمحطة جدة ، تعاملوا معه بكل برود و تعامل معهم بكل حماس ممزوج بالإحترام و الحب ، و كان يحدوه الأمل ، و الإيمان الذي يملأ قلبه و كم كان عظم ثقته في الله ، و هو على يقين تام بأن لن يتجرأ أحد على ظلمه في ديار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، و سرعان ما بدأ الإحباط يتسرب إليه حينما أبلغوه أن هنالك مشكلة في إقامته في ماليزيا ، و قد أكد لهم بان ليس هنالك مشكلة و إن وجدت ، و طلب من الموظف أن يستمع إليه ليشرح له ، و لكن هيهات أن يستمع أمثال هؤلاء إلى أصوات الضعفاء لأن كثير منهم يملأ صدورهم الكبر ، و يوقر آذانهم التعالي و يصمها عن سماع أقوال أمثال عبد اللطيف ، و ما هو المعلوم بالضرورة لاصغر موظف في أي خطوط دولية يعلم بان السودانيون لا يحتاجون إلى فيزا لماليزيا ، إلا أنهم ركبوا رؤوسهم و بعد إقلاع الطائرة علموا أنهم أخطأوا في حق هذا الشاب الصغير ، فحاولوا معالجة الامر بإعطائه تزكرة لصعود طائرة و هي قد أقلعت من المطار ، حتى يخرجون بذلك من دائرة الحرج الذي وقعوا فيه و المسؤولية التي ستطالهم إذا كان هنالك رقيب عليهم ، و بعد 5 دقائق عاد إليهم عبد اللطيف ليخبرهم بخبر معلوم لديهم بأن الطائرة قد أقلعت قبل ساعة من منحه تزكرة صعودها ، فلم يمتعض لهم وجه عندما أعلمهم بذلك لأن حقيقة الأمر معلومة لديهم ، و قام بسؤالهم بكل براءة : و ما الحل ؟ فقالوا له إما أن تدفع غرامة تقارب سعر التزكرة او أن تستخرج تزكرة جديدة حتى بعدها تسمح لك الخطوط بمواصلة رحلتك و تناسوا كل الظروف التي تمر بها بلاده .. فكان من الممكن أن يعتبر هذا الأمر أمراً عادياً إذا كان وضع السودان طبيعياً و لسان حال عبد اللطيف يقول لهم أذكركم بقول الله تعالى الذي تجسد في المعنى : إذا استجار بك أحد من المشركين و ليس المؤمنين فأجره ، و خصوصا أن بلادهم بلاد نخوة وعزوة وإباء و شجاعة و هم شعب عظيم كريم تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان لأي من قصدهم في حقهم الشخصي ، فما بال هؤلاء يضيعون حق هذا الشاب بعدم مسؤوليتهم ، تخيلوا معي ماذا فعل عبد اللطيف و هو شاب يانع في بلد غير بلاده و ليس معه أحد من الاهل أو الأصدقاء في هذا المكان إلا الله و ظروفه المادية يعلم بها الجميع .. و كان من الواجب و لزاماً على الخطوط الجوية السعودية تصحيح خطأ موظفيها و الإعتذار له إعتذاراً بحجم الضرر و يوازي حجم الضغط النفسي الذي تعرض له .. إلا أنه لم يجد مناص من أن يشتري من معدوم ماله تزكرة أخري ليلحق بمستقبل تعليمه و يتحمل بذلك خطأ أناس غير مسؤولين لتحمل أي مسؤولية حيث إستباحوا ظلم هذا الشاب المكافح في بلاد سلمان التي قل أن يظلم فيها أحد .. لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و سنتابع و سنواصل رسالتنا إلى أعلى جهة من أجل محاسبة هؤلاء حتى يكونوا عظة و عبرة لغيرهم في فن التعامل مع الآخرين .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.