همس الحروف “لقد علمتنا درسا قاسياً عمنا محمود حاج الحسن ود الدانقة” ✍️الباقر عبد القيوم علي

لله ما أعطى و لله ما أخذ و سبحان الحي الدائم .. ليس لنا إلا أن نقول ما يرضي الله و رسوله : (إنا لله و إنا إليه راجعون) .. العم محمود حاج الحسن ود الدانقة كان مدرسة في حياته و بعد مماته و لقد علمنا درساً قاسياً : أن الحروب و المرض لا يقتلان الإنسان أبداً إلا إذا قدر الله له ذلك ، و أن اليوم هو اليوم و الأجل هو الأجل الذي لن يتخطى الإنسان مهما تحوط له ، و مهما كان حريصاً . لقد خرج من بيته مجاهداً مثله كمثل كل الذين شردتهم الحرب اللعينة داخل الوطن وخارجه . خرج بشجاعة الأبطال و جسارة الفرسان (تارة كاراً و أخرى فاراً) لحمايه أهله ، حيث كان مُصراً على البقاء ببيته بحي أبو روف العريق ، ذلك الحي الذي يعتبر زينة حواري أمدرمان ،و كان حلمه أن يري بأم عينه إنتصار القوات المسلحة و هزيمة العدو التي بدأت تتحقق أمامه ، إلا أن الحياة تصعبت على الناس بعدإنقطاع كل الخدمات ، الماء و الكهرباء و العلاج ، و شحت المواد الغذائية و إنعدم المال الكافي لشرائها و إن وجدت ، فقرر الخروج الآمن لحماية أهله وسط تقاطع وابل الرصاص خافصاً راسه منكسراً من قهر الرجال الذي أصابه متحسراً على ما حل بالبلاد و العباد ، تاركاً بيته الذي تملأ أركانه أدق تفاصيل ذكريات حياته ، حاملاً معه هم أسرته ، و هم أكبر من ذلك بكثير إسمه (الوطن) الذي سدّت جميع الأبواب أمام آمال شبابه إلا أنه أصر على أن يترك في نفسه ثقب صغيرة يمر عبره شعاع من الأمل بالعودة إلى الديار وسط فرحة العيال و زغايد النساء و عرضة الأبطال من الرجال .

خرج تحت تقاطع أعيرة الذخائر و بين ألسنة اللهب يتخطى هو أسرته جثث الموتي ليتحسس الطريق الآمن لأهله حتى وصل إلى أرض يطمئن لها فوافته المنية هنالك بعد ان نجاه الله من كل المخاطر بالخرطوم ليبلغنا بان للموت موعد محدد لن يسبقه أبداً ليكون مدفنه بين أناس يحبهم و يحبونه بأرض (جلاس) إحدي قرى مروي الأبية بالولاية الشمالية .. أسأل الله أن يتقبل شهادته و أن تكون خالصة لله ، و أن يرحمه برحمته التي وسعت كل شيء و أن يبدله الجنة بدون حساب أو سابق عقاب و إن ينزل غيثاً من الرحمة و السكينة على قلوب أبنائه و أهله و كل من يعرف فضله و أن ينزله منازل الأنبياء والمرسلين و الصديقين و أن يجعل له منابر مع الشهداء و الصالحين في جنات عرضها السماوات و الأرض ، و إنا لله و إنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.