أحرف حرة.. إبتسام الشيخ “إنفنتي ..تختلف الأسباب والروح والأحلام واحدة”
تتوالى أرتال ضحايا الحرب في السودان ، ليضم سجل الفقد في الأسبوع الماضي ضحايا صالة إنفنتي بعطبرة ، عليهم الرحمة والمغفرة وعلى قتلتهم اللعنة إلى يوم الدين ، تتعدد وسائل القتل وتختلف المواقع جغرافيا لكن النتيجة واحدة ، أرواح سودانية عزيزة تفنى ،رصيد من الموتى والجرحى والمعاقين والمفقودين واليتامى والأرامل فاقدي السند في بلد بات يحتاج السند والمناصرة من جور أبنائه ،رحم الله شهداء إنفنتي ولا إعتراض على حكم الله ، لكنهم إيضا ضحايا سوء تقدير وتحدي في ظل مهددات تحيط بالمواطن السوداني من كل إتجاه ، جماعة تعلم أنها محط إستهداف في معركة تصفية حسابات ، فلماذا المغامرة بأرواح بريئة لا علاقة لها بهذا إو ذاك في تجمع في توقيت خطأ بكل المقاييس ، طالعت أمس مقالا مس مني شغاف القلب وكان مبعثا لآلآم دفينة وإجترارا لذكريات مريرة ، كاتبة المقال تحكي عن أحلام الطفل الذي أغتيل غدرا ضمن الحضور في إنفنيتي في ذلك اليوم المشؤوم ، وماأكثر الأحلام التي أُغتيلت على مر الحروب والصراعات والنزاعات في السودان ، ليس أولُها أحلام الأطفال في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ولا آخرُها أحلام طفل إنفنتي ، مرورا بأحلام أُجهضت للمئات بل الآلآف بالخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار ، لإطفال وشباب وشيب ،كنتُ شهودا في بداية حرب أبريل المشؤومة على موت وجرح وإعاقة العشرات من معارفنا بمنطقتي الفتيحاب والشقلة بأم درمان ، ليسو أُناسا رأيناهم على الشاشات او سمعنا أخبارهم عبر الإذاعات ، بل عاشرناهم ، تحدثنا إليهم وتحدثوا إلينا ، بعضهم راح ضحية الإشتباكات المباشرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع ، بعضهم قضت عليه دانة وهو في عقر داره أو متجره ، هم صحبُ ومعارف وجيران ، إن قدر الله أن نعود وتعود مناطق الريف الجنوبي لأم درمان الفتيحاب وصالحة إلى سابق عهدها لن يكونوا بيننا ، لن نراهم ، أطفال غُر و صبية في عمر الزهور ، نساء ورجال في مختلف الأعمار تركوا وراءهم الأبناء والزوجات أو الأزواج ، يتجرعون الحسرات والآلآم ، جميعهم لا علاقة لهم بأسباب الحرب ، كل ذنبهم أنهم مواطنون فبي بلد هانت فيه الروح وفقدت حرمتها ، فأضحت أرخص من أرواح أصغر الحشرات ،أوجاعا ومرارات لا تُحصى سكنت النفوس وأدمت القلوب بفعل الحروب والصراعات والنزاعات في السودان ، تُؤلم جدا إن عايشها الإنسان لمرة واحدة في حياته ، فكيف بمن تكررت أوجاعُهم وتجددت آلآمُهم وصارت المآسي قدرهم ، وفُتحت جراح كانوا قد ظنوا شفاءها من أهالي دارفور وكردفان والنيل الأزرق ؟ ،في العام ٢٠١٣ ، كنا في زيارة عمل لولاية جنوب دارفور (مؤتمر النازحين واللاجئين) الذي نظمته مفوضية العودة الطوعية وإعادة التوطين ،قمتُ بتسجيل حلقة من برنامج حواري لإذاعة دارفور fm التي تبثُ من الخرطوم ، كان ضيوفي على غير العادة ولخصوصية الحلقة ثلاثة عشر شخصا يمثلون مختلف معسكرات النازحين بولاية جنوب دارفور ، بدءا من معسكر كلمة أكبر وأشهر المعسكرات مرورا بمعسكرات دريج ، عطاش ، السلام ، ثكلي ، قريضة ، السريف وكاس ، سجلتُ الحلقة بإستديوهات إذاعة ولاية جنوب دارفور على إيام الزميل الدكتور ياسر إبو عقيله مدير هيئة إذاعة وتلفزيون جنوب دارفور عليه ألف رحمة ونور ،جلست إلى هذه المجموعة المنتخبة من المكلومين ضحايا الحرب التي إندلعت في دارفور في العام ٢٠٠٣ ، بين حكومة البشير وحركات دارفور المسلحة ، كان الحوار مزيج من الشجن والألم وإجترار الزكريات وفتح كوة نحو المستقبل بتحدي الآلآم بالجراح ، كان سؤالي المحوري لهم ، ( أين كان كُل منكم لحظة إندلاع الحرب ؟ وماذا حدث حينها ؟ ومن ثم إنتهينا إلى واقع حالهم وماصاروا اليه ، نازحين يقيمون في معسكرات مشيدة من مواد بلدية ، مساحة سكن الأسرة من فرط ضيقها عبّر عنها أحدهم بالقول ( لو مديت رجلك بتمدها في سكن أخوك ) ، ومع ضيقها كانت تفتقر إلى أبسط وأهم الخدمات ، إجاباتهم جاءت مزيجا من تصوير لحالات فزع ورعب ،خوف وحيرة ، مشاعر مضطربة في تلك اللحظات ،قال لي شيخ مشايخ معسكر كلمة حينها ،( في تلك اللحظة التي تم فيها قصف منزلي فُقدت سبعة من أفراد أسرتي ) ، وقالت لي نازحة من قرية مرير ، ( في تلك اللحظات حُرق مسكنُنا وبداخله ثلاثة من أفراد اسرتي ) ، وحكى آخر إحتراق قريته بكاملها بيوتها وسكانها ، كان الراوي من الناجين مع قلة من السكان ، ليُصبحوا شهودا على تأريخ أسود وماضي مرير ، وروت أخرى مآسي يشيب من هولها رأس الوليد ،الإكثر إيلاما أن نازحي معسكرات دارفور لا زال الكثير منهم حتى إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل نازحا يعاني أوضاعا سيئة يحلُم بحياة كريمة ووضع أفضل ، فلا بلغ الحياة الكريمة ولا عاش الوضع الأفضل ، بل هاهو السيناريو وقد تكرر ، فقد الأعزاء والهروب من الديار ، ولا يزالون من نأي إلى نأي تطاردهم أشباح المليشيا في مدينة الفاشر الملاذ الوحيد الذي تبقى لهم في إقليم دارفور ، ففروا إليه ، وماعاد آمنا ،الحربُ أصبحت قدرا على السودانيين بسبب الأنانية والأطماع ورغبات الاستحواذ والسيطرة المناطقية والقبلية وتضييق الواسع ، لم يسعنا السودان على إتساعه ! وتمدد مسافاته وترامي أطرافه ! ، وكثرة ثرواته !، التنوع في كل أنحاء العالم نعمة إنعكست حضارة وتمدن وتطور ، إلا في السودان تنوعنا نقمة ! أورثتنا التباغض والأحقاد والأضغان ، وأدخلتنا في رحى حروب أفقدتنا خيرة الموارد البشرية من شبابنا ورجالنا ونسائنا ، ولا يزال الفقد مستمرا وموارد بلادنا لا تذهب لتوفير العيش الكريم بل تُهدر في حروبنا وصراعاتنا ، في الوقت الذي صارت أخبار الجوع والمرض وفقد المأوى هي عنوان السودانين ، حتى متى سيظل الأبرياء في السودان يدفعون كلفة إستبداد البعض من أبناء جلدتهم وأنانيتهم ولا وعيهم بل وجهلهم ؟! .وهل قدر حواء السودان ألا يتقدم من أبنائها سوى الذين في أعينهم رمد ، صم العقول والقلوب؟! . حفظ الله السودان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.