رؤى.. واصلة عباس.. وجدي ميرغني .. سيل الوادي المنحدر
خطواتنا كانت سباقة ، تفيض محنة ، و مؤازرة ، وقائد العربة ( عبدالرحمن ) الذي إرتسمت ملامحه بالجدية إزاء هذه المهمة الإنسانية ، وإطارات سيارته تشتد ملامستها للطريق المعبد ، ثم تميل قليلا لبعض عثرات الطريق ، يدانا كانت تحمل الخير الوفير ، وقلوبنا تفيض بالإنسانية التي نحفظها ، وبقية إخواتها الستة عن ظهر قلب ، وكان وفدنا الأول يتقدم الركب ، ولهذا كنا نسرع الخطي لنتلاقي مع إخوتنا الملكومين والمفجوعين ، الناجيين من الحرب الضروس في تخوم سنار ، كان جرحنا واحد ، لاننا سبقناهم قبل عام ونيف ، ليتجدد ذات الوجع الذي إنطلقت صافرته في الخرطوم ، مرورا بمدني ، بيد أنه لم يندمل حتي اللحظة ، تسامرنا في العربة التي تقلنا لتوزيع معينات للوافدين ، (ومدير الهلال الاحمر بالقضارف إبن الولاية أستاذ علي ) يفيدنا بجميل المعلومات ، تعينه ( الزهراء ) ، ويتقاسم الحديث معهم الإعلامي الرقم ( آدم مهدي ) ، كنت أستمع ، وأتامل تلك المساحات التي فاضت بالخير الوفير ، حيث بدأت معالم ثراء الولاية واضحة ، منذ مدخل الصومعة (التي تقف بشموخ وعزة ، وفي جوفها الخير الوفير ) ، بدأت معالم معسكر أم شجيرات تلوح في الأفق البعيد ، وكنت قد رسمتٌ صورة في مُخيلتي لها ، وعندما وصلتها وجدتها ماثلة امامي علي أرض الواقع بحلة زاهية ، تلك المساحة التي وهبها رجل الأعمال ( وجدي ميرغني) لتكون مسكنا ومأوي للوافدين الناجيين من الحرب العبثية ، وإمتدادها لنحو ثمانيين فدانا ، ذهلت ونحن علي مشارف مداخلها من الكم الكبير ، للقطن ( وبالاته ) الضخمة التي تغطي جانبي الطريق ، تؤكد أن ثمة ثروة عظيمة ، حتي جعلت الطمأنينة تسري في بواطني ،، وعلا كعب الأحلام في مُخيلتي ، وأنا أتحسس مقولة ( القضارف سلة غذاء السودان) ، ولكن مار ايته هو بمثابة مؤشر أن تنال لقب ( سلة غذاء للعالم )، كيف لا وهي الآن قد كفي زادها كل الناجيين من الحرب ، والقادمين اليها وهي ( مطمورة الخير البتدي الغير ) ، وبعثت فيهم الطمأنينة ومنحتهم المأوي ، وفي مدخل أم شجيرات بالقلابات الغربية ، كانت أرض الميعاد التي ستصبح مقرا وسكن لهولاء المعذبين في الأرض ، والخيم البيضاء تلوح من الأفق البعيد ، لتستبين معالمها وعلامتها ذات اللون البرتقالي التي تحمل شعار ،( NRC ) مجلس الكنائس النيروجي ، وأكثر من خمسين مأوي تراصت بطريقة متساوية ، كأنها تٌشد آيادي بعضها البعض ، وتتكئ علي أكتاف بعضها البعض كأنما تتقاسم الوجع ، وتضمد جراحات القهر والظلم والنزوح ، وتسترجع الحكايات المريرة ، وفي خطوات وئيدة ، تجولت بين باحاتها الممتدة ، وصفير الهواء الذي يملآ المكان كأنه يستعد للرحيل ، فالقادمين ، ستٌسد حكاياتهم الآفاق ، لهذا ليس هنالك مكانا للصمت والسكون ، وقفت أمام بعض الرجال وهم يشدون أوتاد الخيام ، وعلي الرغم من علمي أن جهدي لايساوي مايقمون به ، إلا أنني آثرت المعاونة ، فجهد المقل له أجرا ، وعند وضع الأوتاد لنصب الخيام ، كانت من السهولة بمكان ممايعني أن الآرض خصبة جدا ، وآثار الخريف منحتها المرونة واللين ، وهي غنية بكل مقومات للزراعة ، سيما والولاية تشهد خريفا ماطرا ، يسعد الترابلة ، والزراع ، وتذكرت (أبوي التربال ) ، وهو يستعد لذلك الموسم بعد إنحسار النيل في الفتيحاب ، ولو إستخدم وجدي ميرغني عقلية رجل الأعمال والمال ، لحصد المليارات لوزرع ، فكان حديثي اليهم لآ أكتشف أن أحد العمال يحمل درجة الماجستير في الإعلام ، ليحدثوني عن اعمال هذا الرجل ( وجدي ميرغني ) ، الذي أحدث علامة فارقة في أعمال الخير والعطاء ، وعلمت أن هذه المساحة التي تُشيد الآن هي جزء من اربعة مساحات أخري تكملة للثمانيين فدانا الموهوبة للإيواء ، تُري كيف ستكون حصيلة هذه المساحة لو زرعها وجدي ومجموعته محجوب أخوان ؟، أو حتي إذا قام بإستئجارها للغير ؟ ، كم سيربح ؟، ولأني لا أجيد لغة الأرقام ،، إكتفيت بالصمت ، لكن أدركت أن التجارة مع الله لاثمن لها ، فيكفيه وجدي أنه كفكف دمعة المحزون ، وأسدل عليهم غطاء الستر ، بأن أبعدهم عن جشع اصحاب العقارات والمنازل الإنتهازيين الذين تاجروا بأوجاع الوافدين ، وزادوا جراحاتهم جرحا ،آخر وبعضهم يؤجر منزلا قد لايصلح لحياة الأنعام ناهيك عن الآنام ولكن ( ويل لهم ).. شعرت بالطمأنينة أن في بلدنا السودان رغم كل المصائب أن يطّل علينا تاجرا مع الله ليضرب مثلا نستعيد منه ذكري ذو النورين عثمان بن عفان ، الذي تخلي عن قافلته وماله من أجل فقراء المدينة ، وربح بيعك ياوجدي ،، وأنت تكتب في الطرقات ، أن ( المال مابهمك ،، إن كتر وإن راح ) ، وماكتبته عنك ،، وفق ماشاهدته وماسمعته في أم شجيرات ، ولم تكتفي بمنح الارض بل جعلت من آلياتك تُعبد الطريق ، وتزيد عليها خدمات الكهرباء والماء ، وتقيل ماقد يصعب علي الوافدين تحمله ، ولكن اقول لك سيد وجدي وأنا لا أعرفك من قبل ( أكمل عطاءك ، وأتمم جميل صنيعك ) ، فالنزوح قاااااسي، وجراحاته لاتندمل ، وذلك بإستيعابك لهم في مجموعتكم المتنوعة ، لتكفيهم شر السؤال والعوز والحوجة ، وحتما ستجد مقدرتهم وفق ماتحتاجه مجموعاتك ، وبما أنك ظللت عليهم بظل، فأجزل لهم العطاء ، فالكريم عطاءه لاينقطع ، والخريف الصيب يمنح بلا منّ ولا أذي ويسرك منظره، ويسعدك جوهره ، فكن حاتم الطائي في زمانك ، وهم في ديارك ، والخير مجبول لأناس إختصم بقضاء حوائج الناس حببهم الي الخير وحبب الخير اليهم أولئك الآمنون من عذاب يوم عظيم ).
رؤي أخيرة
حتما ياوطني ،، سنلتقي مع فجر يفيض سماحة وسلام ،، وسترفرف رأياتك تحكي عن زول هناك علي تخومك ،، زول سوداني وأصيل وإبن النيل .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.