من جحيم الحرب إلى قاعات الدراسة: طلاب كلية الغرب يروون رحلة المعاناة… والوزارات تتعهد بالدعموزراء التنمية الاجتماعية والإعلام والتعليم يشيدون بصمود الطالبات… ومدير الكلية يكشف عن دمار شامل ونهب للممتلكات واستشهاد وفقدان طلاب

أمدرمان – تقرير : انتصار فضل الله

وصل أكثر من مئة طالب وطالبة إلى مدينة أم درمان قادمين من مدينة نيالا، في رحلة استمرت عشرة أيام وسط ظروف إنسانية وأمنية بالغة القسوة، وذلك لمواصلة دراستهم بعد توقف طويل سبّبته الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل العام 2023 م

الطلاب، ومعظمهم من كلية الغرب للعلوم والتكنولوجيا، تحدّوا كل أشكال الخوف والتشريد من أجل العودة إلى قاعات الدراسة. وخلال الطريق، واجهوا محطات تفتيش متكررة ومضايقات من عناصر الدعم السريع، ووجدوا أنفسهم مرغمين على الكذب بشأن وجهتهم تفاديًا للاعتقال أو الإرجاع.

“نخفي وجهتنا خوفا من الإرجاع أو الاعتقال”

تروي انتصار خالد محمد نور، طالبة تمريض في الدفعة الأولى بكلية الغرب، تفاصيل مؤلمة عن الرحلة: “رحلتنا من نيالا إلى أم درمان استغرقت عشرة أيام مليئة بالخوف والذل… في كل نقطة تفتيش كنا نقابل مليشيا الدعم السريع، وكان علينا أن نكذب ونقول إننا ذاهبون إلى الدبة، لأنهم إذا علموا أننا ذاهبون للتعليم قد يرجعوننا أو يعتقلونا”.

لم تكن تكلفة الرحلة أقل قسوة من الطريق ذاته، حيث بلغت قيمة التذكرة نحو 850 ألف جنيه سوداني، وهو مبلغ ضخم يعجز معظمهم عن دفعه. تضيف انتصار: “عندما وصلنا إلى أم درمان، فوجئنا بارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة أسعار المواصلات. كما أننا لا نملك المال، ولا نجد مكانًا نبيت فيه. نناشد حكومة الولاية والمختصين أن يساعدونا في توفير سكن حتى نتمكن من الاستمرار في الدراسة”.

“صُدمنا من استقبال الأسر لنا…”

وداد أحمد، طالبة مختبرات طبية من نيالا، لم تستطع كبح دموعها وهي تسرد تجربتها، لا سيما بعد وصولها إلى أم درمان، حيث استُقبلت هي وزميلاتها ببرود وقسوة من بعض الأسر التي استضافتهن. “اتهمونا بالتعاون مع الجيش… وعانينا من معاملة غير إنسانية. منذ أن وصلنا لم أتذوق شاي الصباح، كنت أتوقع أن أُقابل بالسلام والترحاب، لكن للأسف، الواقع كان مختلفًا تمامًا”.

“الخوف من المستقبل… والنداء الأخير”

يعبّر أحد الطلاب، عن قلقه الشديد على زملائه الذين لا يزالون في طريقهم من نيالا: “نخشى عليهم من الوقوع في قبضة الدعم السريع، أو أن يُجبروا على الالتحاق بجبهات القتال. نطالب بالإسراع في توفير سكن ومأوى لهم، حتى يتمكنوا من الاستمرار في التعليم بأمان”.

واضاف انه رغم الصعوبات والانكسارات، فإن الطلاب والطالبات الذين وصلوا إلى أم درمان يعلّقون آمالهم على نهاية قريبة للحرب، وعلى مستقبل أفضل للأجيال القادمة، حيث يكون التعليم حقًا متاحًا وآمنًا، لا رحلة موت في سبيل الحياة

“الحكومة تتدخل وتعد بالدعم”

في احتفال استقبال الطلاب، أكد وزير التنمية الاجتماعية، الأستاذ صديق حسن فريني، دعم وزارته الكامل لجهود استمرار العملية التعليمية، مشيدًا بصمود الطالبات وحرصهن على مواصلة الدراسة رغم قساوة الظروف. “بتوجيه من مجلس السيادة، ستساند كل أجهزة الدولة هؤلاء الطلاب، وستُعقد جلسات دعم نفسي واجتماعي معهم قريبًا لتخفيف آثار ما واجهوه”، قال فريني.

وتحدث عن حالات موثقة في الوزارة لجرائم بشعة ارتُكبت ضد الطالبات، منهن من تم اقتيادهن إلى المجهول، ما يعكس طبيعة الحرب التي استهدفت النسيج الأسري والاجتماعي.

“من يحمل القلم لا يقل بطولة عن من يحمل السلاح”

أما الطيب سعد الدين، الوزير المكلف لوزارة الثقافة والإعلام، فقال: “صمود الطالبات ومواصلتهن للتعليم بطولة حقيقية. هؤلاء الأبطال اختاروا مقاعد الدراسة بدلًا من ميادين القتال. من واجبنا فضح الميليشيات التي تسعى للعودة تحت غطاء التفاوض.”

وأكد على أهمية إيصال صوت المرأة السودانية، مشددًا على أنها شريك أصيل في بناء السلام.

الكلية… دمار ونزوح واستشهاد

من جانبه، كشف بروفيسور عبد الرحمن أحمد كرم الدين، مدير كلية الغرب بمدينة نيالا، عن حجم الدمار الذي لحق بالكلية قائلًا: “تم نهب كل ممتلكاتنا، وتحولت مبانينا إلى ثكنات عسكرية. استشهد بعض طلابنا، وهناك مفقودون ومأسورون. أكثر من 90% من طلابنا تضرروا. فقط 200 من أصل 2000 تمكنوا من مواصلة التعليم عبر الإنترنت”.

وأضاف أن نحو 250 طالبًا في طريقهم إلى الخرطوم، وناشد الجهات المختصة الإسراع في توفير سكن آمن للطالبة، خاصة مع تسجيل حالات إنسانية مأساوية ونفسية بسبب النزوح وبعد المسافة عن الكلية.

وأشار إلى أن الكلية كانت تضم 8 مختبرات علمية، لكنها الآن خارج الخدمة بسبب السيطرة عليها من قبل المليشيات.

وختم بالقول: “رسالتنا التعليمية لن تتوقف. سنواصل جهودنا لتجفيف منابع الفكر المتطرف، لأننا نؤمن أن التعليم هو الطريق الحقيقي لبناء السلام وإنهاء الحروب.”

نداء عاجل

في ظل تواصل النزاع المسلح، ومعاناة الطلاب السودانيين النازحين من مناطق الحرب، يتجدد النداء للحكومة والمنظمات الإنسانية والجهات الدولية:”أنقذوا مستقبل هؤلاء الشباب، وفروا لهم المأوى والدعم النفسي والاجتماعي، واجعلوا من التعليم أملًا لا عبئًا آخر يُضاف إلى آلامهم.”

التعليقات مغلقة.