محمد عبد الرحيم وجهوده في توثيق وتدوين تاريخ السودان
قدّم مركز العز بن عبدالسلام الثقافي للدراسات العربية الإسلامية الأفريقية يوم السبت 7/يناير/2023م محاضرة جديدة عن مؤرخ السودان الفذ الراحل محمد عبد الرحيم (1878-1966م) وجهوده في توثيق تاريخ السودان الحديث وتدوينه، اشتركت فيها الباحثة الدكتورة دولت يوسف محمد ابراهيم استاذة التاريخ بكلية التربية جامعة امدرمان الإسلامية الدكتورة – حفيدة المؤرخ محمد عبد الرحيم – والزميل الباحث حسين أحمد الضرير أمين دائرة المكتبة العلمية بالمركز والوثائقي بجامعة نايف بالمملكة العربية السعودية سابقاً.
هذا وترجمت د.دولت وزميلها الضرير للأديب المؤرخ محمد عبد الرحيم معرفين به، فهو محمد عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن شريف بن محمد الدنقلاوي وطناً والبربري أصلاً، ووالدته فاطمة بنت سليمان بن ادم بن بحر بن هارون بن بشير بن موسى البرَد أحد اولاد البرَد السبعة المشهورين بالعلم والصلاح، ولهم مدافن في طريق مدينة الابيض الجنوبي ما زالت تزار الى الان وهم من قبيلة هوارة “حمير أبو بربر فيما رواه ابن خلدون”.
والشيخ المؤرخ محمد عبد الرحيم مؤرخ السودان: عاصر جيلين من الأجيال السودانية: جيل المهدية،وجيل ما بعد الثورة المهدية. ولد في 6 ذي الحجة 1295ه -ديسمبر 1878م ببلد كبر الهبوب الواقعة شمال مدينة الأبيض. وكان والده قد انضم لجيش الإمام المهدي في الجنزارة وصحبه إلى تحرير الخرطوم، وسجل المؤرخ محمد عبد الرحيم في بعض مقالاته بعض ذكرياته ومشاهداته لتحرير الخرطوم ومقتل غردون. وقد انخرط مؤرخنا في سلك الثوار، وانضم الى السرايا التي كانت تحركت شمالاً لنجدة القائد عبد الرحمن النجومي واشترك مع المحاربين في الجبهة الشمالية. وشهد موقعتي عكاشة وفركة، ثم عاد الى أمدرمان، وانضم الى جيش الملازمية وشهد واقعة كرري يوم الجمعة 2 سبتمبر 1898م وجرح فيها جرحا بالغاً.
وبانتهاء دولة المهدية تحول مؤرخنا محمد عبد الرحيم من ميدان الحرب الى ميدان الفكر، ويمكننا ان نتصور الجهود التي بذلها في سبيل تعلمه وتنمية مواهبه وثقافته اذا لم يغفل الاطلاع على امهات الكتب العربية في الأدب والتاريخ، وكذلك الصحف والمجلات السودانية والمصرية، واسهم فيها بعدد كبير من المقالات. وكان يحتفظ بقصاصات من الصحف للموضوعات التي يهتم بها. وفي عام 1904م التحق بخدمة الحكومة في وظيفة محاسب، وقد مكنته هذه الوظيفة من الاسفار والتنقل في كثير من مدن السودان وتخومه. وكان اينما حلّ يهتم بتاريخ البلاد والقبائل وتدوين الأخبار.
ولشدة حب مؤرخنا محمد عبد الرحيم بالتاريخ و الادب فقد أسس مجلة “أم درمان” واوقفها لخدمة تاريخ السودان واستطاع ان يصدر منها 10 اعداد في سنتي 1936م -1937م.
ومن مؤلفاته المطبوعة:
1- نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع ..الجزء الاول
2- النداء في دفع الافتراء
3- محاضرة عن العروبة في السودان .(القيت بالقاهرة 1935م)
4- الصراع المسلح على الوحدة في السودانعن حوادث 1924م.
أما المخطوطات فمنها:
1- بدائع الأثر في أخبار المهدي المنتظر.
2- أبطال التاريخ في السودان.
3- العقد النظيم في تاريخ العرب والفور.
4- المسامرات في الأدب والتاريخ.
5- أمثال الحضر والبوادي بلهجات سكان الوادي.
6- موسوعة كبيرة للأمثلة السودانية والمصرية.
7- إقامة الدليل على وحدة وادي النيل.
8- فوضى النظام وسوء إدارة الحكام.
9- أثيوبيا الجديدة.
10- نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع… الجزء الثاني
11- اللآلئ الحسان في شمائل أهل السودان.
12- رحلة الرحلات المصرية فيها كتب سابقة عن الأقطار السودانية.
وقد وافته المنية -رحمه الله- في يونيو 1966م ودفن بمدينة أم درمان. وعلي شرف الحفل التكريمي الذي أقيم لمؤرخ السودان الفذ الأديب محمد عبد الرحيم بالقصر الجمهوري في الخرطوم يوم 10/مارس/ 1967م لمنح اسرته جائزة الدولة التقديرية أصدرت دار الوثائق المركزية بالخرطوم كتيباً يحتفي بمحمد عبد الرحيم حياته و آثاره الأدبية تحت عنوان: “الشيخ محمد عبد الرحيم مؤرخ السودان”.
وكان شاعر السودان المجدّد التجاني يوسف بشير (1912_1937)م و قد احتفى قبلاً بالمؤرخ الكاتب الفذّ محمد عبد الرحيم في قصيدة ” رسول التاريخ” التي ضمنها وهي في ديوان ” إشراقة”.
ولمحمد عبد الرحيم نفسه تجربة شعرية تدل على ملكة في الشعر مثلما أوتي قدرة مواتية في النثر، ويكشف لنا ذلك من آثاره الشعرية مقطوعته التي صدر بها الجزء الأول من كتابه “نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع” مهداه الى سمو الأمير الجليل عمر طوسون ومطلعها:
إلى الأمير الذي طابت شمائله* ومن بطلعة الايام تفتخر
رب السماحة والسبّاق مكرمةوالكاشف الضر عمن جاء ينتصر إلى سموك يا “طوسون”ارشدنامصباح رفعتك الآلاء والخبر
رفعت ألوية الإحسان بارزةيكفيك ما ايدت آياتك الغرر العرب والعجم والأحياء كلّهمو بفيض كفّكَ يا”طوسون” قد غمروا
في كل دار لكم في الحمد ظاهرةفالبدو تشهد والصحراء والحضر إليك اهدي كتاباً أنت ملهمهفاقبل “عليك سلام الله يا عمر”
وقد عنيت جماعة من المؤرخين والباحثين الدارسين تاريخ السودان، عناية فائقة بالبذل العلمية والفكرية الذي بذله الشيخ محمد عبد الرحيم في دراسة تاريخ السودان، منهم من السودانيين د.مكي شبيكة في كتابه “السودان عبر القرون” ص384. و د.محمد إبراهيم أبوسليم الذي رصد آثار محمد عبد الرحيم المودعة في دار الوثائق المركزية بالخرطوم، وعصمت زلفو في كتابه “كرري” ص92، هامش(1).
ومن خارج السودان د.نوال عبد العزيز مهدي راضي مدرّسة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة فرع الخرطوم سابقاً في كتابها “أفافيت في تاريخ السودان الحديث” الذي صدر في عام 1985م.
وفي محاضرة سبتية مركز العز بن عبدالسلام الثقافي للدراسات العربية الإسلامية الأفريقية بشمبات ذكرت الباحثة د.دولت من انجازاته ومساهمته المقدرة في إيقاف نشر المسيحية في أواسط بعض المسلمين في جنوب السودان. واستعانة الأمير عمر طوسون به في الأورطة في حروب السودانيين في المكسيك وفي حرب القرم.
وأضاف الزميل الباحث حسين الضرير أمين دائرة المكتبة العلمية بالمركز في معرض حديثه عن الآثار العلمية للمؤرخ محمد عبد الرحيم قائلا: إن أعمال محمد عبد الرحيم المودعة لدى دار الوثائق القومية بالخرطوم تضم اضافة الى وثائقه عن تاريخ السودان الحديث خرائط وصوراً نادره.
وفي باب الأمانة العلمية والموضوعية التي عرف بها المؤرخ الكاتب محمد عبد الرحيم ذكر الباحث حسين الضرير أن محمد عبد الرحيم -وعلى الرغم من انصاريته- إلا أنه في باب الأغاني من الجزء الأول من كتابه “نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع” تعرّض لبعض الأشعار التي هجا فيها شعراؤها المهدية مثل الهجائيات التي تعرّضت للشيخ محمد الخير شيخ المهدية في خلاوي الغبش ببربر بل وطالت تلك الهجائيات الإمام محمد أحمد المهدي نفسه ومثل هجائيات الحاردلّو للخليفة عبد الله خليفة المهدي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.