حقائق وحيثيات قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بتمديد العقوبات المفروضة على السودان
خالد الإعيسر
مدد مجلس الأمن الدولي أمس الأربعاء العقوبات الدولية المفروضة على السودان عاماً واحداً.
وهي العقوبات التي فرضت في عام 2005 بعد الحرب التي اندلعت في إقليم درافور في عام 2003، واستمرت لفترة 18 عاماً حتى الآن، ومن دون تعديل.
وشملت العقوبات حظر على نقل الأسلحة لإقليم دارفور من قبل القوات المسلحة السودانية، وفرضت عقوبات بحظر السفر على أربعة أفراد “توفي أحدهم وتقاعد الآخر، ولا يعرف مصير الثالث حتى الآن؛ بينما الرابع هو الزعيم موسى هلال الذي حظر من السفر والأصول”، وقادت هذه العقوبات إلى تحويل قضية السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية.
قرار مجلس الأمن المكون من 15 عضواً مدد التفويض الممنوح للجنة الخبراء المكلفة بالإشراف على العقوبات وتطبيقها ومنها حظر الأسلحة حتى 12 آذار/مارس 2024.
وصوت 13 عضواً لصالح تمديد العقوبات فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت.
الواقع أن ما حققه السودان في قرار مجلس الأمن أمس، والذي قضى بتمديد العقوبات؛ يعد معجزة دبلوماسية تستحق عليها بعثة السودان لدى الأمم المتحدة التقدير.
لأنه بإيجاز البعثة تمكنت من إلغاء الأمر المفتوح للقرار بإدخال فقرة انقضاء الأجل (Sunset clause) والتي تبلغ 18 شهراً، وبذلك أصبح من الممكن مراجعة نص القرار أو تعديله أو إلغاؤه خلال الفترة المقبلة.
بعثة السودان لدى الأمم المتحدة، استبقت الجلسة بحملة كبيرة لإنهاء القرار نهائياً، واستطاعت أن تقنع دول كثيرة لإنهاء القرار، والتفاوض كان ذاهباً لغير ما تريده الولايات المتحدة ومصالحها “باعتبارها الدولة حاملة القلم، وهي الدولة المشرفة على صياغة القرار 1591″، وقد استخدمت العقوبات طوال الأعوام الماضية لمصالحها الخاصة.
ولهذا السودان كان هدفه مركزاً لوضع أجل زمني للقرار يكون مداه سنة ونصف بدلاً عن صيغة القرار السابق القديم والتي ظلت كما هي منذ عام 2005، وهذا ما أغضب الولايات المتحدة.
ومعلوم أن هذا القرار مهم للولايات المتحدة وسياساتها تجاه السودان، لأنه كان أداة لتحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية، ومن خلاله استطاعت الولايات المتحدة ممارسة ضغط كبير على السودان طوال السنوات الماضية.
لكن هذه المرة استطاع السودان أن يقنع 6 دول من عدد 13 دولة عضو في المجلس، وكان يحتاج لصوت واحد فقط لإلغاء القرار نهائياً ولكن البرازيل وهي الأقرب للرؤية السودانية بررت تصويتها على أسس ترتبط بمبدأ حماية المدنيين.
الجزئية الغائبة عن كثيرين هي أن القرار كان مداه مخلداً، ومفتوحاً، وتحول الآن بعد تصويت أمس إلى مدى مشروط بأجل زمني معلوم سقفه سنة ونصف فقط (وذلك بإدخال فقرة إنهاء الأمد).
وفي فترة الحكومة الانتقالية السابقة، تحديداً في يوليو 2021 حدد مجلس الأمن الدولي 4 مؤشرات لتحديد مبدأ تجديد قرار العقوبات وهي مؤشرات قاسية جداً وتشمل شروط فرعية صعبة وغير قابلة للتنفيذ، والآن استطاع السودان إسقاط بنود من تلك المؤشرات، تحديداً البندين 1 و4 لأنها بنود غير قابلة للتنفيذ، وأبقى على المؤشرين 2 و3 لأنهما وردا ضمن إتفاقية جوبا لسلام السودان وهما قيد التنفيذ – فعلياً – ضمن بند الترتيبات الأمنية وبند حماية المدنيين، والحكومة السودانية قادرة على تنفيذهما عملياً على أرض الواقع بمساعدة المجتمع الدولي في سياق تنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان “المحدثة”.
هنا لابد أن نضع في الإعتبار أيضاً أن السودان لا يملك أكثر من 6 حلفاء بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن وهي كل من: (الغابون، غانا، موزنبيق، الإمارات العربية المتحدة ويسمونها “3 + 1″، بالإضافة للعضوين الدائمين روسيا والصين)، وأن الولايات المتحدة تتمتع بأغلبية 9 أصوات، وأي قرار يراد تمريره يحتاج إلى تسعة أصوات في مجلس الأمن؛ ولهذا فكرت بعثة السودان في استمالة البرازيل ولكنها لم تأتِ مع فكرة السودان الذي كان أمامه خيارين، الصدمة بجلب البرازيل للإمتناع عن التصويت ويحصل بذلك السودان على سبعة أصوات كانت كفيلة بإنهاء القرار، أو خيار واحد اخر وهو المساومة حتى يحصل السودان على أفضل ما يمكن تحصيله ضمن الأغلبية غير المواتية داخل المجلس، أي أن يقبل بفن الممكن بموجب التوافق ولكن الولايات المتحدة كانت تريد أن تحسم التفاوض بالتصويت وهو ما قامت به فعلاً.
ولكن دور الوساطة الذي لعبته دولة الإمارات العربية المتحدة بين مطالب الولايات المتحدة الأمريكية ومطالب السودان بالتوافق مع البعثة والثالوث الافريقي، مكن السودان أن يغتنم الفرصة لاقناع الولايات المتحدة بقبول قرار يلغي القرار المفتوح الأمد، ويقلص المؤشرات التي يصعب تنفيذها، وقبل بالمؤشرين 2 و3 لأنهما يرتبطان بإتفاقية جوبا للسلام المدعوم من المجتمع الدولي.
قرار الامتناع عن التصويت بعدد ست دول من بينها الإمارات العربية المتحدة كانت تعارضه الولايات المتحدة، وقالت أنها مقابل عدم تصويت هذه الدول بإمكانها أن تقبل بأن تكون الفترة 18 شهراً بدلاً عن الأجل المفتوح، وذلك في حال صوتت معها الدول المؤيدة لرؤية السودان باستثناء روسيا والصين لأنها دول دائمة العضوية، وهذا يدعم الصفقة التي تم الحصول عليها بعد شهرين من التفاوض المستمر مع الولايات المتحدة.
ومعلوم أن روسيا والصين دول دائمة العضوية ويمكن توظيف موقفها ضمن آليات الحملة المتبقية لإنهاء القرار.
أما الدول الحليفة للسودان ومن بينها الإمارات العربية المتحدة أكدت أنها رافضة لقرار تمديد العقوبات “من الأساس”، ولكنها ستصوت على التمديد (المحدد الأجل بدلاً من إبقاء التمديد المفتوح الأجل)، وذلك قبولاً للاتفاق الذي تم خلف الكواليس بين السودان والولايات المتحدة.
بالنسبة لروسيا والصين كان موقفها منسقاً أيضاً مع السودان حتى لا يمر القرار بالاجماع لا سيما أنهما دولتان على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية.
الإضافة الجديدة هي أن المجموعة الأفريقية والإمارات العربية المتحدة دونت في المحضر أنها دول رافضة للقرار (من الأساس)، ولكنها صوتت للتمديد المحدود الأجل بدلاً عن التمديد المفتوح الأجل وتقليص المؤشرات إلى مؤشرين قابلين للتنفيذ بدلاً عن أربعة مؤشرات، وذلك بالتنسيق مع بعثة السودان في الأمم المتحدة.
من المهم القول أن هذا الإتفاق تم بعد جهد كبير للغاية ودام أكثر من سبعة أشهر، وقام به مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس محمد وبقية أعضاء بعثته، وهم يستحقون التحية والتقدير على هذا الاختراق الكبير والمجهود الجبار الذي وضع سقفاً زمنياً (مداه سنة ونصف) بدلاً عن التجديد مفتوح الأجل الذي كانت تتم بموجبه عملية تمديد العقوبات طوال الأعوام الماضية منذ عام 2005 تاريخ فرض العقوبات.
ومن بين جهود البعثة أن السودان حاز على تأييد المجموعة العربية والمجموعة الافريقية ومنظمة دول التعاون الاسلامي ودول عدم الانحياز.
وطوال ثمانية عشر عاماً لم يكن التجديد للقرار نفسه “لأنه قرار دائم”، ولكن يتم عادة التجديد لفريق الخبراء وهي آلية تنفيذ العقوبات، والآن فقط أصبح للقرار مدى زمني محدود يمكن إنهاؤه من خلالها، أي انتفت عنه صفة التأبيد بالمدى الزمني المفتوح ويمكن للسودان إلغاء القرار عندما تتحقق المؤشرات.
لكن بقراءة واقعية لواقع علاقات السودان مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لا يمكن التأكيد بأن القرار سينهي العقوبات بعد 18 شهراً وذلك نظراً لمنهج السياسة الدولية المتذبذب.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.