الأخ الجميل شيخ الباقر عبد القيوم علي : (لا تحزن فالصندل عند أهله عود)**✍️ بقلم د الفاتح الملك
*الوطن بحجمة الضخم يشكل أعظم الموجودات في قلوب أبنائه المخلصين ، و هذه المفردة لها وقعها و طنينها الخاص بها و رنينها الذي يبعث قيمة الإنتماء في النفوس و هو المحرك الذي يثير في القلوب قداسة الوشائج الوثيقة التي تربط المرء بأرضه و قبيلته ، و عشيرته ، و خلانه و تاريخ نشأته و المكان الذي يأويه و الذي أمضى فيه طفولته و شبابه و رضع من الحليب الذي تفرزه قداسة هذا الإنتماء ، و لعل أقرب تعبير يمكن أن يقرب هذه الصورة التي اردت أن أحدثكم عنها هي علاقة المرضعة برضيعها ، و التي يملؤهما دفق من الحن و الحنين لبعضهما ، و الإلفة الفطرية من بواعث لهفة الإنتماء ، فالمواطن و الوطن كذلك يشكلان طوبوغرتفية الوجود الحميم التي تؤسسها الهوية الجمعية و لا تحدها حدود معلومة ، فهو مفهوم اوسع من مكان السكن و النشأة و المكان الذي تحده حدود القبيلة ، و هذا من واقع مخزون ضخم للتجارب البشرية الحسية التي تشكل شخصية المواطن في موطن صغير ، فهذا الأمر مفهوم للغاية و يتغذي بالأخذ و العطاء و هو متشرب بعواطف متداخلة و ذكريات عميقة توثق لهذا الإنتماء المقدس .في الوطن (السودان) هنالك الكثير من الوطنيين الذين تتشكل منهم لوحات فنية رائعة ، تعزز قيمة الوطنية والإبداع و الإخلاص في جغرافية هذا القطر ، و هنالك من يتخطى عطاؤهم خارج حدود هذه الجغرافيا الضيقة التي رسم معالم حدودها الإستعمار ليمتدوا إلى دائرة أوسع من ذلك بكثير و يسهموا في العطاء الممتد ، و يؤسسوا لأوطانهم سمعة طيبة بين الأمم الأخري في هذا العالم العريض ، فبعض الناس يتم تعريفهم بقبائلهم و البعض الٱخر بمناطقهم التي اتوا منها فيقولون في التعريف هذا فلان من القبيلة أو المنطقة الفلانية ، و لكن يقولون في حق العظماء منهم هذه قبيلة فلان او منطقه فلان ، أي يتم تعريف القبيلة بهم و المنطقة كذلك ، وهذا تعريف شامل يعمق مفهوم إبداع الفرد في حاضنته ، و ٱمل أن أكون قد وفقت في تقريب المعنى ، لأفرد لكم مساحة لأحدثكم عن رجل بقامة وطن كان و ما زال كالغيث إينما وقع نفع ، أسهم في تأسيس حزمة من القيم العظيمة في المجتمعات التي عاش في وسطها ، زاملته في المملكة المتحدة فكان علامة فارقة في التجرد و العطاء و كان كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسواد كناية عن التميز و التفرد تلذي لازمه ، و بعد ذلك فارقته خمس سنوات ثم إلتقينا في الأردن التي كان يزينها بنجومته و وضاءته المعهودة فيه ، فكان موضع ثقة فيها يحبه الأرادنة أكثر من حبهم لبعضهم ، و كان سنداّ لكل سوداني فيها و عضداً لكل من إلتجأ إليه من مختلف الجنسيات ، ثم تفارقنا بعد ذلك مرة أخرى فقصدت دولة الكويت و كان مقصده دولة الإمارات ثم إجتمعنا مرة أخرى في أمارة الشارقة التي أسس فيها مدرسة شامخة من القيم النبيلة و العطاء ، و من أشهر ما وثقه له التاريخ فيها : قصده أحد من الناس و كان محتاج لمبلغ من المال لإجراء عملية جراحية معقدة ينقذ بها حياة شقيقه من نزف حاد في المخ ، و لم يكن المبلغ الذي يحتاجه ذلك الرجل متوفر عنده في ذلك الوقت فما كان منه إلا و أن حمل المحتاج معه و ركب سيارته الحديثة الفارهة التي أهداها له الشيخ خليفة بن زايد ٱنذاك ، و قصد بها أحد معارض بيع السيارات و عرض هذه السيارةبمبلغ تكلفة العملية فقط ، و ما أن علم صاحب المعرض الإمارتي الجنسية بشهامة هذا الرجل الذي لا تربطه أي علاقة مع ذلك المحتاج إلا الإنسانية ، فبكى من هزة هذا الموقف العاطفي الذي يستحق الوقوف عنده ، و كان صاحب المعرض ميسور حال فوق أنه كان من الأسرة الحاكمة في الأمارة ، فأرجع إليه سيارته و تحمل هو مبلغ تكلفة العملية كاملاً و جعل بعد ذلك هذا الرجل من أقرب خاصته و أقرب رفقائه . علماً بأن علاقاته هذا الرجل الفريد كانت ممتدة مع معظم شيوخ و أفاضل مواطنى دولة الإمارات و أكابرهم و كما له علاقات طيبة مع عظماء بعض الدول الأخرى ، أتدرون من هذا الرجل الغيث ؟ الذي أينما وقع نفع أنه ، د. الباقر عبد القيوم صاحب عمود (همس الحروف) ذلك العمود الذي سخره الله للناس في حل أزماتهم و ضوائقهم ، فكان و ما زال مقصد الكثيرين من أصحاب الحاجة فتتزاحم كراسي مكتبه بقاصديه ، و يتلقاهم دائماً بوجه طلق و إبتسامته المعهوده التي لا تفارق مبسمه ، إنه رجل فوق العادة يسعى بدون كلل او ملل في حاجة الناس و بإخلاص متفرد ، يصارع و يقاتل بضراوة في حقوقهم بتجرد منقطع النظير و كأن الأمر يخصه شخصياً .هذا الرجل الفريد أسهم في بناء المجتمعات التي عاش في وسطها و اسس لقيم أصيلة في أوطان كثيرة خرجت عن حدود جغرافية وطنه السودان الضيقة ، و جعل كل الذين كانوا من حوله يتنافسون معه في نبيل القيم ، و قد نال محبة و تقدير الناس في أي مجتمع عاش فيه ، حيث كان من الممكن أن يحمل جنسيات أخرى غير جنسيته الأصيلة ، و على وجه الخصوص البريطانية مثل ما حملناها نحن و لكنه فضل جنسيته الأم التي إسترخصها كثير من زملائه السودانيين انذاك و سعوا بكل الوسائل للتجنس بالجنسيات الأوروبية و الأمريكية ، فرفض الجواز البريطاني فهل هنالك وطنية أعظم من ذلك ، إنه القامة الباقر الذي يعتز بسودانيته في أي مكان و في نفس الوقت يعتز به أصدقاؤه الأجانب و يضعون إعتباراً لصحبته و رفقته ، فكلهم يتمنون أن يكون من جنسيتهم ، و من أهلهم ، فقد كان للجميع وطن و كانت كل الأوطان له ، يحب أخيارها و يحبونه في الله و لله بدون منافع دنيوية أو مصالح ٱنية.إندهشت لدرجة تفوق حد الذهول وذهاب العقل حينما سمعت بما جرى لهذا الرجل الأمة في وطنه الصغير السودان و الأدهى و الأمر في حاضنته الصغرى مدينة مروي و التي يفترض ان يعزز فيها تعزيز ملوك و أمراء .يقول المثل (الصندل عند أهله عود) و (الذهب عند أهله معدن) ، فمن العمى ان يرى الناس د . الباقر في وسط أهله من منظور صفري بعين قصيرة البصر و البصيرة بمثل ما رٱه بها من إعتقله أو من أرشد إلى إعتقاله ، و أقول لك : و لا يهمك فإن الصواعق لا تنال من الشواهق إلا القمم ، و لو كنت في مكان سعادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لأتيت إليك سعياً في موقعك الذي أنت فيه ، و لإعتذرت لك عما بدر من بعض أفراد قوات الشعب المسلحة في حقك من فعل لا يليق بك و بمكانتك ، و لكن عزائي لك في مثل هذه الظروف الحرجة من تاريخ السودان ان تتحمل ،و أن تصبر و تحتسب ، لأن في حالات الحرب يختلط الحابل بالنابل و لا أحد من الناس الذين أوقعوا عليك عذا الإعتقال يعرفون ما انت قائم عليه من فضائل أعمال كان شأنها البناء و ليس الهدم ، و حيث ظلت طيلة حياتك مرشداً لقومك الذين لا يعرفون عنك إلا إسمك ، و لا يدركون قيمة قدرك حيث ظللت تخاطب من حولك بلغة وعي عالية تلامس وجدانهم و لكن معظمهم يسمعون ما تقول و لا يعتبرون من قولك و كذلك بعضهم يسخرون لسفاهة عقولهم أو لعدم علمهم عنك .لك العتبى حتى ترضي يا (كبير) فعشكما انت كبيراً إينما شئت فلك قيمتك المعروفة و المعلومة عند كل من يعرف فضلك في أي بلد تريد ، لنفاسة معدنك و سلامة جوهرك ، و أخلاقك الحرة ، و ستظل من أعظم دعاة الخير في كل المجتمعات التي تحترم إنسانيك و تعاملك كما تستحق ان تُعامل به .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.