حرب السودان: 15 أبريل…إضطهاد المسيحيين في تزايد

متابعات : اليمامة برس

لم يتوقع كهنة وخدام كنيسة مارجرجس أقدم الكنائس القبطية في السودان، أن يدعوا بالإكراه تحت تهديد السلاح للدخول في الإسلام، من قبل مليشيات مسلحة اقتحمت الكنيسة، خلال الحرب في السودان.هذه الواقعة نزلت على الكهنة والأساقفة كالصاعقة.وروى أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في السودان، الأنبا صرابامون أحد الناجين من الموت بأعجوبة، لوسائل إعلام مصرية أنه تعرض للضرب والتهديد بالقتل، بعد اقتحام الكنيسة، الأمر الذي أجبره ترك البلاد والسفر إلى مصر بحثاً عن الأمن والاستقرار. قال: إن قوى مسلحة ترتدي زي قوات الدعم السريع أحد أطراف النزاع المسلح في السودان، اقتحمت الكنيسة وأطلقت النار، وابرحت الكهنة والخدام ضرباً عنيفاً، سبب لهم كسور وجروح بليغة. وكانت هذه القوات أيضاً تبحث عن الأموال والذهب.عودة إلى قائمة الاضطهاديعاني المسيحيون في السودان من تزايد حدة الاضطهاد الموجّه ضدهم، فقد تعرضوا لسلسلة من الانتهاكات منذ اندلاع الصراع في السودان 15 أبريل\ أيار الماضي.يقول المدير العام للجمعية الوطنية للحريات الدينية (نيرفا)، محمد صالح، أن المسيحيين شهدوا على اقتحام كنائسهم ونهبها، بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والجسدي، ونهب الممتلكات والأموال، وقد تم الهجوم على حوالي 9 كنائس، الأمر الذي قاد الكثير إما للهجرة إلى خارج العاصمة الخرطوم التي تشهد أشد أنواع القتال، أو ترك البلاد بحثا عن الأمن وخوفا من الاستهداف بعد أن فقدوا إمكانية الوصول إلى الكنائس لأداء الصلوات أو عقد الاجتماعات.ويرى صالح أن “هذا السلوك يمثل انتهاكا صارخا لحرية الدين والمعتقد وحقوق الإنسان بموجب المواثيق الدولية التي تمنع الاعتداء على دور العبادة.”وكان السودان في العام 2020 قد حذف من قائمة الدول المثيرة للقلق، وذلك بعد ما أثبت أنّه ملتزم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات الدينية. غير أنّ السودان عاد ليذكر على لائحة الدول الخمسين الأكثر اضطهادًا، محتلًا المرتبة العاشرة، في قائمة Open Doors تحت فئة أقصى درجات الاضطهاد.ووفقا لوكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (أسى مينا)، أظهرت لائحة المراقبة العالمية التي أصدرتها منظمة أبواب مفتوحة «Open Doors» للعام 2022 أن عدد الأشخاص التابعين للديانة المسيحية الذين يواجهون الاضطهاد في كل أنحاء العالم ظل ثابتًا في العام 2022 عند نحو 360 مليوناً. وكان اضطهاد المسيحيين قد بلغ أعلى مستوياته منذ ثلاثة عقود، وفق أحدث تقرير صادر عن المنظمة عينها.الجدير بالذكر أن “Open Doors” منظمة غير حكومية لبروتستانتية التي تأسست في هولندا في عام 1955 تقوم على وجه الخصوص بإعداد “تصنيف عالمي لاضطهاد المسيحيين” كما اعتادت على ذلك منذ العام 1997 وهو عبارة عن قائمة بخمسين دولة يتعرض فيها مسيحيون من الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس وغيرهم من المذاهب المسيحية للتمييز أو التهديد. وبحسب التقرير يعيش (360) مليون مسيحي في دول ذات معدلات عالية من الاضطهاد أو التمييز الديني. أي أن واحد من كل سبعة مسيحيين في العالم، بما في ذلك واحد من كل خمسة مؤمنين في إفريقيا، طبقاً لموقع المسيحية اليوم.إليكم ٥٠ دولة يصعب فيها اتّباع يسوع في العام ٢٠٢٣ | News & Reporting | المسيحية اليوموفي السودان يعتبر المسيحيون من احدى الأقليات الدينية الموجودة في البلاد، وذكر التقرير الدولي بشأن الحرية الدينية في السودان لعام 2020، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن المسيحيون يشكلون 5.4 % من سكان السودان، وبيّن التقرير وجود 36 طائفة مسيحية، منها 24 طائفة مسجلة فقط.الخوف من الاستهدافإزاء الممارسات التي بتعرض لها المسيحيون، يؤكد الناشط في مجال الحريات الدينية، بنيامين كوكو، وقوع انتهاكات عديدة على كنائس مختلفة في العاصمة الخرطوم بدءً بمقر مجلس الكنائس السوداني الذي قصف بشكل متكرر، ثم اقتحام الكنائس وسرقتها والاعتداء على القساوسة.ويوضح كوكو “أن المسيحيين في السودان يعيشون اسوة ببقية الشعب في ظل احتدام المعارك التي تستهدف الجميع، لكن يتملكهم خوف وقلق حول مستقبلهم المظلم فلا يعرفون إلى أين يلجؤون.” ويشير إلى إجلاء بعض القساوسة والرهبان داخل البلاد كمدينة بورتسودان، شرق البلاد، أو خارجها كالنزوج إلى مصر أو مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان. أمّا بالنسبة لأبرز التحديات التي يواجهها أبناء هذه الطائفة بعد التعرض للتهديد، فيرى كوكو أنّها “تتمثل في نفقات الهجرة كون هذه الطائفة تنتمي الى الطبقة الأفقر في السودان .”ويستطرد إن الحرب ليست دينية، فإنهم لا يضطرون لتمويه دينهم للمرور من الارتكازات والحواجز الأمنية، ويضيف فقط يسألونك، من أين آتي وإلى أين ذاهب وهل أنت عسكري وماذا تحمل؟فيما يقول المحامي المدافع عن حقوق الإنسان، فتح الرحمن خميس، إن تجاوز الحواجز والارتكازات الأمنية يتم عن طريق العرق، وأن معظم المسيحيين من القبائل غير عربية، ومعظمهم هاجر ومن تبقى يعيش ظروفا قاهرة، وأن الأقلية القبطية أكثر المسيحيين المتضررين من الحرب إذ تم التعدي على ممتلكاتهم.غير أن المحامية، المناصرة لقضايا حقوق الإنسان والحريات الدینیة، بابل إسحق، تعتقد أن المسيحيين يواجهون ذات الصعاب التي يمر بها الشعب السوداني، ويهاجرون إلى الأماكن التي يلجأ إليها باقي السودانيين باعتبار أنّ الانتماء الديني ليس مذكورًا في الجواز السوداني.وتقر إسحاق بأن أحوال المسيحيين والأقليات الدينيّة في السودان في ظل الحرب لم تختلف عن باقي المجتمع لأن الحرب والسلاح لا يعرفا مسلما أو مسيحيا أو وثنيا فالجميع سواسية في الوضع الكارثي، وأن الشعب السوداني يتشارك المصير والمعاناة والتحديات نفسها.وفي الوقت ذاته كشفت بابل عن تعرض أحد الأشخاص التابعين للديانة المسيحيّة للعنف اللفظي والجسدي حيث تم ازدراء ديانته من قبل أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع.اعتداء على حرية الدينوتوالت الإدانات المحلية والدولية إزاء اقتحام مسلحين يتبعون لقوات الدعم السريع لعدد من الكنائس في السودان، معتبرة ذلك اعتداء ضد حرية المعتقد.وفي إشارة إلى ما يواجهه المسيحيون من اضطهاد خلال الحرب، كشف مجلس الكنائس السوداني عن اعتداء قوات الدعم السريع على (5) كنائس، وهي كنيسة مارجرجس المطرانية، والكنيسة الأسقفية المطرانية، كنيسة العذراء مريم المطرانية، الكنيسة الإنجيلية وكنيسة مارجرجس في بحري، واعتبر ذلك انتهاكا للحقوق الدينية للمسيحيين، والتي تعبر عن عدم احترام المقدسات والحرمات الدينية.وقالت كنيسة إنجليكانية في حي العمارات بالخرطوم، يوم الثلاثاء، إن قوات من الدعم السريع اقتحمتها واحتلتها وسرقت سيارة وكسرت أبواب مكاتبها.وذكر حزقيال كندو، كبير أساقفة الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية في السودان، في بيان على “فيسبوك”: لا نعلم ما الذي حصل لبقية ممتلكات الكنيسة.كما اقتحم مقاتلون من الدعم السريع كنيسة مريم العذراء في الخرطوم، وأجبروا الموظفين على المغادرة، بحسب موظف بالكنيسة ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي نشرها ناشطون.واعتبر المتحدث العسكري الهجوم انتهاكا صارخا لكل قوانين وأعراف الحرب وقيم التسامح الديني والاجتماعي، كما تحدث عن احتلال الدعم السريع لكنيسة الأقباط بحي النسيم في الحاج يوسف واتخاذها موقع عسكري ومنع الطائفة من دخولها لأداء الصلوات.تبادل اتهاماتبينما تتوالى البيانات التي تتناول انتهاك الحريات الدينية من قبل قوات الدعم السريع ضد المسيحيين، فإن قوات الدعم السريع، تنفي ممارسة أي انتهاك وتخلي مسؤوليتها عن الهجوم على كنيسة مارجرجس القبطية، في بياناتها، وتقول إن قواتها تعمل على حماية المدنيين، وأن من يرتكبون الانتهاكات هم مجرمون يسرقون أزياء قوات الدعم السريع.وتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بالمسؤولية عن الهجوم، وبينما ألقى الجيش باللائمة على قوات الدعم السريع، قال الطرف الآخر في بيان، إن مجموعة متطرفة تابعة للجيش هي المسؤولة.ومن جانبه يلفت المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في رسالة رعوية بخصوص ما يحدث في السودان، نشرت على فيسبوك، على أن الكنيسة لديها مجتمع كبير وحيوي في السودان يقع في ايبارشيتي الخرطوم وأم درمان، وقد وصلت تقارير عن الدمار والنزوح الذي يواجهه الآن مئات الآلاف الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وسبل العيش للبحث عن الأمان، وبحسب نص الرسالة هناك تقارير عن هجمات استهدفت الكنائس وممتلكاتها، وقد تعرض العلمانيون ورجال الاكليروس لخطر كبير. وتعرضت الكنائس وممتلكاتها للهجوم والنهب والاستيلاء على أيدي الجماعات المسلحة، وتم نقل الراهبات وكبار رجال الاكليروس من أجل سلامتهم، وناشد المجمع المسؤولين لاستعادة النظام وسيادة القانون لسلامة الجميع.استهداف ممنهجويرى المحامي فتح الرحمن خميس أن طبيعة الصراع سياسي اقتصادي وتم الزج المجتمعات فيه دون أسباب واضحة.ويضيف “أن الاستهداف الممنهج الذي يتعرض له المسيحيون في السودان ناتج عن احتكار مجموعة ضيقة للسلطة والمال دون مشاركة بقية الشعب.”وخلافًا لذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعات السودانية نصر الدين محمد على، أن ازدياد الاضطهاد تجاه المسيحيين في الوقت الراهن ليس استهدافًا ممنهج، وإنما نتيجة للاضطربات العامة التي يعاني منها السودان، ويرى “أنهم لا يستهدفون المسيحيون عن قصد لكن الفوضى وغياب الأجهزة الأمنية هي العامل الرئيس لهذا السلوك، ولاسيما وأن هذه المجموعات اقتحمت منازل لمسلمين أيضا وقامت بسرقتها ونهبها.”

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.