الفيتو الروسي في القضية السودانية ، تحول إستراتيجي وتأثيرات عالمية بعيدة المدى د. الباقر عبد القيوم
*
همس الحروف
إستخدام روسيا لحق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الذي كان من شأنه (خنق السودان) ، أتى في سياق موقفها الذي يعارض ما تعتبره تدخلاً سافراً و غربياً في شؤون الدول الإفريقية الداخلية بصورة إستعمارية من بعض الدول الغربية التى تبرر لشعوبها بأنها تدعم المدنية و الديمقراطية ، كما في الحالة السودانية ، و خصوصاً أن الحرب كانت بزعم أنها ستحقق المدنية و الديمقراطية المزعومتين ، و التي كان غير مرحب بها من قبل شريحة عريضة جداً من الشعب السوداني الذي إصطف الآن خلف جيشه لتحرير السودان من دنس هذه المليشيا السارقة ، القاتلة و المغتصبة ، التي أرادت إعدام وجودية السودان ، و لهذا وجد الغرب ضالته الإستعمارية فيريد بكل الوسائل أن يضغط على الجيش السوداني لإضعاف موقفه بمساواته بالمليشيا ، و إن جرم المليشيا ظاهرياً ، فإن ظاهر نوايا الغرب لا يتوافق مع ما يبطن ، و يأتي ذلك تحت بند حماية المدنيين ، من أجل فتح ممرات آمنة لإمداد المليشيا التي ترتكب كل ما يعدم وجود الدولة السودانية و شعبها ، فيصنعوا بهذا القرار الجائر للمليشيا حالة من إعادة التوازن و خصوصاً أنها بدأت في الأنهيار ، و نجد أن روسيا من هذا القرار تسعى للحفاظ على علاقات مستقرة مع القوة العسكرية النظامية في السودان التي تمثل الشعب ، فإن هذه الخطوة المفصلية تعتبر بمثابة إنتصار صارخ للدبلوماسية السودانية ، و يأتي ذلك وفق مصالح السودان الاستراتيجية .من خلال هذا الفيتو ، نجد أن روسيا إعاقت القرارات التي تدعم المليشيا وحلفائها السياسيين و شركائهم الدوليين ، مما يعكس هذا الأمر دعماً مباشر للشعب السوداني الذي يقف خلف قواته المسلحة و الذي دفع الفاتورة المباشرة لهذه الحرب .من جهة أخرى، يرى منتقدو الفيتو الروسي أن هذه الخطوة حرمت المليشيا من قبلة الحياة التي كان من الممكن أن تبث الروح في جسدها ، و روجوا بأن ذلك يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في السودان ويعزز إستمرار النزاع ، و هذا قد يقطع عليهم الأمل لإعادة تجربتهم الفاشلة .من الواضح أن موقف روسيا في قضية السودان قد لاقى إستحسان واسع في الأوساط السودانية، حيث ترى روسيا أن استخدامها للفيتو ليس خلفه أي دوافع إستراتيجية ، فهو أخلاقي ، و يعبر عن دعم لموقف السودان بعيداً عن المصالح الدولية التقليدية والتقاطعات الأيديولوجية ، بالنظر إلى السياق الحالي ، فنجد أن تدخل القوى الدولية الكبرى في النزاع السوداني فرضته المصالح ، فإن العديد من السودانيين يرون أن روسيا تعاملت مع الملف السوداني من زاوية أخلاقية فقط ، مقدمة الأولوية للشعب السوداني ، و حمايته من التدخلات الخارجية التي قد تزيد من تعقيد الوضع .الموقف الروسي ، الذي يتجنب فرض ضغوط على الأطراف المحلية أو دعم مواقف قد تُعتبر “مفروضة من الخارج”، يُعتبر من قبل بعض السودانيين خطوة تدعم استقلالية بلادهم وتمنحهم فرصة للاتفاق الداخلي دون تدخلات دولية مدفوعة بمصالح سياسية أو أيديولوجية .هذا التوجه، كما يراه أغلب الناس ، يتماشى مع مبدأ احترام السيادة الوطنية ورفض التدخلات التي قد تُؤدي إلى مزيد من التأزيم ، و لهذا نجد أن العديد من السودانيين يعربون عن شكرهم لروسيا، معتبرين أنها حافظت على هذا الموقف المتوازن الذي يراعي الظروف المحلية والأخلاقية للبلاد .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.