همس الحروف…الحرب كإختبار للوطنية ، دور البنوك في دعم الإقتصاد والمجتمع خلال الأزمات ، و بنك النيل ، و إستحقاق التكريم✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

☘️🌹☘️

(الحلقة الأولى)
(1_2)

كلنا نعلم تمام العلم أن القطاع المصرفي في السودان هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب التي استهدفت وجودية الدولة ، و كانت البنوك هي الهدف المباشر للمليشيا ، فلم يكن ذلك مجرد إستهداف من أجل نهب الاموال ، بل كانت المليشيا تنفذ سياسية ممنهجة لتدمر البنية التحتية الحيوية للاقتصاد الوطني ، و يعتبر هذا السلوك في منهج التدمير الذي إتبعته المليشيا من أهدافها الرئيسية في هذه الحرب ، و الشاهد على ذلك لم تكتفي المليشيا بنهب الأموال و الودائع فقط ، بل كان همها الأكبر هو تدمير مراكز المعلومات و الأنظمة الرقمية التي تخص حسابات العملاء بالبنوك ، فرأيناهم يحطمون أجهزة الحوسبة بعد النهب ، و كان الهدف الرئيسي من ذلك هو تعطيل تقديم الخدمات المصرفية و المالية بغرض تحطيم فرص الحياة للمواطنين ، و زيادة البلبلة و إثارة الفوضى الخلاقة في البلاد ، إلا أن الشعب كان على درجة عالية من الوعي و الصبر .

الشعب يقدر تماماً ما تعرضت له البنوك من خسائر جسيمة جراء النهب و التدمير لمنشآتها ، و يُعتبر هذا النوع من الاعتداء على المؤسسات المالية ، هو من أسوأ أنواع الأضرار التي أصابت الاقتصاد الوطني في مقتل ، و على الرغم من ذلك فقد إستطاعت البنوك تجاوز هذه المحنة ، و تلافي هذه الكارثة بنجاح ، فظلت البنوك تقدم خدماتها المالية في الولايات الآمنة رغم فداحة الأزمة و عظيم الخسائر ، متجاوزة بذلك كل التأثيرات السلبية على القطاع المصرفي .

لقد كانت هذه الحرب بمثابة امتحان حقيقي لأداء البنوك حسب المنظور الوطني ، الذي يتضح من خلاله مدى التزامها بمسؤولياتها الوطنية في ظل (الأزمة) ، و في خضم هذه الكارثة ، تجلت حقيقة الالتزام الوطني لدى المؤسسات المالية ، و قد ظهر ذلك بشكل جلى و واضح للعيان في مدى الاستعداد لتقديم الدعم للمجتمع ، و اقتصاده بعيداً عن المكاسب المالية اللحظية ، فنجد أن الدور المحوري في مثل هذه الظروف كان هو الحفاظ على استقرار النظام المالي ، و دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة ، و هنا كان مربط الفرس الذي تجلى عنده دور البنوك و طواقم إدارتها حسب الاولويات الوطنية ، و قد تمثل ذلك في وضع المصلحة الوطنية فوق الربح التجاري الشي الذي أظهر من خلاله مدى الإلتزام الحقيقي بدور بعض البنوك في الحفاظ على الاقتصاد وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين .

و هنا نجد أن بنك النيل كان أبرز هذه البنوك ، إن لم يكن هو الأوحد في استجابته الجادة و الفورية لدعم الإنتاج الزراعي و حاجة المزارعين من أجل إنقاذ الموسم الزراعي في ولاية القضارف و الذي كان يعتبر هو الموسم الذهبي لتفادي شبح المجاعة بالبلاد ، وبالتالي نجد انه لعب دوراً محورياً في تأمين جزء كبير من الأمن الغذائي و ما زال على إلتزامه بذلك .

و بالمقابل نجد أن هنالك بنوك عجزت عن الوفاء بمسؤولياتها الوطنية ، فلم تقدم أي إسهام بما يكفي ، أو بشكل فعّال في دعم الاقتصاد خلال هذه الأزمة ، و ركزت معظم البنوك على الحفاظ على مصالحها التجارية فقط دون الإلتفات إلى حاجة الوطن ، متجنبة بذلك المخاطر المرتبطة بتقديم اي دعم للإقتصاد في القطاعات المتضررة من الحرب مثل الأمن الغذائي . و هذا النوع من التوجه قد يظهر ضعف الالتزام الوطني لدى بعض المؤسسات المصرفية التي فضلت الحفاظ على وضعها المالي على حساب دعم الاقتصاد الوطني و إكتفت بالتورق فقط .

الحرب ليست مجرد عمليات عسكرية ، بل هي أزمة اقتصادية في المقام الاول ، الشيء الذي عقد من قدرة البنوك على تقديم الدعم المناسب ، إلا أن البنوك التي كانت تمتلك إيماناً عميقاً بمسؤولياتها تجاه المجتمع نجدها قد قامت ببذل جهود ضخمة لتوفير التمويل اللازم ، حتى وإن كانت في مواجهة التحديات المالية الضخمة في هذه الظروف ، في الوقت الذي كان من المفترض أن تُظهر فيه البنوك قدرتها على التكيف مع الوضع ، كما فعل بنك النيل و صقور إدارته بقيادة السادة صلاح محمد عبد الرحيم و نائبيه : الأستاذ هشام التهامي و الدكتور أسامة الطيب الفكي ، بمعاونة إدارات البنك الأخرى ، و الذين كان لهم القدح المعلا في إنقاذ أهم موسم زراعي للسودان في ظل ظروف كانت و ما زالت في أشد حالات التعقيد في خضم حرب ضروس ، و حققوا من بذلك نجاحاً باهراً في تأمين الأمن الإقتصادي للبلاد .

في الحلقة القادمة .. سنرى كيف كافأت الدولة بنك النيل ، و طاقم إدارته ، وكيف يدار هذا السودان بهذه العقلية و كيف يحدث مثل هذا في بلد التناقضات ؟

التعليقات مغلقة.