في ملتقى (الإعلام والأمن الوطني).. قلوبنا كاميرا، قلم ورصاصة.. !كتب: نزار حسين


مصطلح (كتيبة استراتيجية)، الذي ازدهر عندنا بداية الألفية الثالثة، والذي ارتبط زمانئذ بنظام البشير، كان يطلق بين العامة على أنه جيش الكيزان، وقد انتشرت بين الناس تلك الايام الأصوات الهامسة عن بداية النظام في صناعة جيش يحمي به نفسه من أي ثورة أو انتفاضة ايا كان مصدرها أو القائم بها، وقد استغل اعداء النظام ذلك الأمر للترويج لأن نظام البشير ينشئ امبراطورية داخل الدولة ولها جناح عسكري خارج نطاق القوات المسلحة وان النظام طغا ونحا منحى الدكتاتورية والصلف الملوكي وأن قادم الايام سيكون عنوانه البطش والدماء. لكن في حقيقة الأمر وإن لم تخل المسألة من شئ من الاحتياطات الدفاعية للنظام، كانت الكتائب التي تعد والدورات التي تقدم والمعسكرات النوعية التي يتم اختيار افرادها بعناية، كانت جزءا من محاولة القفز للأمام بمنظومات الدولة الدفاعية، وأذكر أن نشاطا في مجال التدريب في مختلف المجالات كان ملحوظا لمن يتابع الحياة الأكاديمية والمهنية على مستوى مجالات التقنية والإعلام والدراسات الأمنية ومجالات بناء الانسان من دروات التنمية البشرية وبناء الذات، والناظر من بعيد للحياة في السودان بداية الالفية الثالثة لا تخطئ عينه اثرا لأياد خلفية كانت تقود البلاد نحو النهضة التقنية العالية في كل المجلات، سيما العسكرية والدفاعية.
الشئ الوحيد الذي كان ينقص دولتنا في العشرين عاما الفائتة كان هو استصحاب الإعلام ككتيية مقاتلة جنبا إلى جنب الأباتشي والرباعي والمسيرات.. وتجهيزها وتطويرها بما يواكب العالم كما يحدث في مصانع التصنيع الحربي تماما، فنحن لم ندرك تلك الفترة أهمية دور الإعلام في عصر الفضاء المفتوح والحروب التي تدار عبر الكلمة والصورة والصوت!!
ولربما لم يدرك المسؤولون وماسكو زمام الأمر بعد أهمية هذا السلاح في عصرنا الحالي، فهو الذي يدير العالم حاليا ويغير اتجاهات الرأي والقرار، وهو الذي يجعل كل من في الكرة الأرضية طوعا لما يصنعه وهو الذي بإمكانه اقناع كل الكوكب بفكرة محددة في التوقيت المحدد بالصورة المحددة، لكن اذا كان من يمسك هذا السلاح على قدر الكفاءة العلمية والقدرات الفكرية ويملك الأدوات الكافية لاستخدامه بالصورة المثالية..!
لقد بلغ الإعلام في هذا الزمان مرحلة القدرة على التنويم المغناطيسي لدولة كاملة وفي ذات الوقت بيده ايقظاظها في اللحظة التي يريد، فإذا نظرت حولك وجدت أن هذا العالم الآن يعيش في كرة افتراضية يحكمها الإعلام أكثر من وجوده في الكرة الأرضية! فكل هذه القنوات والوسائط والفضاء المفتوح والمعلومات المتدفقة مع تدفق الثواني، كلها تحت حكم آلة الإعلام التي تمسك الخيوط من بعيد، وتغذيها دماء مخابرات العالم الأول الذي أدرك أن الغذو البري للدول أصبح مرحلة متأخرة وقد لا تأتي لأنك قد لا تحتاج إليها اساسا..!
قادني لهذا السرد الطويل ما قامت به مؤخرا ثلاثية التوجيه المعنوي وأكاديمية نميري العسكرية العليا ومركز صوفيلارا ميديا، من عمل عظيم في توقيت استدراكي في نهاية معركة الكرامة التي هزمنا في بدايتها من العدو الذي لا يفقه معنى الإعلام ولا علم له بترجمة كلمة (ميديا) وربما لم يسمع إطلاقا كلمة (سبراني)! سوى أن الغرف التي اتفق عليها جبالا من الدولارات هي التي تقدمت به علينا في معركة لم نكن جاهزين لها، لذا تأخرت كتيبة الإعلام في الانضمام لكن شرفاء الوطن من الإعلاميين اجتهدوا وقاتلوا بأقلامهم و(لايفاتهم) ونافحوا وحاربوا الشائعات بتوضيح الحقائق وتفكيك النواميس التقنية من ذكاء اصطناعي ودوبلاج وفبركات ربنا فاتت على المواطن البسيط لكن كثير من الاعلاميين الوطنيين بمجهوداتهم الفردية اوضحوا الحقائق وسرعان ما صار البسطاء يتداولون مصطلحات الذكاء الاصطناعي والفبكرة وصار بإمكانهم التمييز بين الحقيقة والخداع..!
(ملتقى الإعلام والأمن الوطني) الذي تم خلال الاسبوع بمدينة امدرمان الصامدة هو ميلاد عهد جديد لدور الإعلام في الحفاظ على الأمن الوطني بأن يكون القلم والكاميرا جنبا إلى جنب السلاح.. في كل مكان.. وستسبق (زرقاء الميديا) (زووم) القوات المسلحة إلى مواطن الخطر لتكون (عمر) اذا كان كل جندي من القوات المسلحة هو (سارية)!
خبراء، علماء، ودكاترة بثوا علومهم في هذا الملتقى الذي استفاد منه الاعلاميون كثيرا وقد نتج عن هذا اللقاء توصيات كلها تصب في مصلحة البلاد نرجو أن تلامس الواقع قريبا وان نكون قد تعلمنا من هذه الحرب ما لم نتعلمه ونحن في سلم وأمان.
ولا أهم في كل هذه التوصيات من إقرار إنشاء كتيبة استراتيجية إعلامية تخضع لدورات كافية وتدرييات مواكبة باستقطاب أهل الكفاءة والخبرة لنصنع درع السودان الحديدي الاستباقي الذي يثب على الفضاء مصارعا ويخطو في الأرض حارسا مقارعا..!
كل الامتنان لهذه الثلاثية الرائعة (الادارة العامة للتوجيه المعنوي) و(أكاديمية نميري العسكرية العليا) ومن قبيل (جرح الشهادة) نمسك عن تخصيص مركز (صوفيلارا ميديا سنتر) بصوت شكر باسم قبيلة الإعلام لهذا المجهود الضخم وهذه المبادرة غير المسبوقة رغم ظروف الحرب التي دمرت الطرقات وكسرت الأقلام وسرق أعداؤنا فيها أجهزة اللابتوب والهواتف وحرقوا دفاترنا وصورنا وذكرياتنا وحرقوا قلوبنا حتى أسفرت و احمرت واسودت وتحولت إلى قنابل موقوتة تريد أن تنفجر.. مقطعا ومقالا ونشيدا ورصاصة!!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.