بُعْدٌ .. و .. مسَافَة*مصطفى أبو العزائم *ثورات الربيع العربي بالخرطوم
أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم أن أستعيد ذكرى طيبة من قبل نحو خمس سنوات ، ورأيت أن أشرك القارئ الكريم معي في هذه الذكرى ، فقد جاءتني دعوة من جهتين عظيمتين في الخامس عشر من فبراير عام 2017 م لحضور ندوة سياسية (نوعية) عن مآلات وآفاق ثورات الربيع العربي ، الأولى كانت من شركة زين للاتصالات ، والثانية من مجلس أمناء جائزة "الطيب صالح" العالمية للإبداع الكتابي ، ضمن فعاليات الدورة السابعة للجائزة ، وقد حرصت على تلبية الدعوة حرصاً شديداً ، ليس بسبب أصحاب الدعوة فقط – وهم فوق العين والرأس – بل كان هناك دافع أساسي ، وهو أن المتحدّث فيها هو المفكر والسياسي التونسي الدكتور "محمد المنصف المرزوقي" وهو الرئيس الثالث للجمهورية التونسية ، بعد الرئيسين " الحبيب بورقيبة " و " زين العابدين بن علي" وإن كان هناك رئيس مؤقت للجمهورية شغل منصبه السياسي التونسي " محمد فؤاد المبزّع " بعد خلو المنصب بهروب الرئيس "زين العابدين" خلسة في أعقاب ثورة شعبية عاتية ، نتجت عن وفاة شاب تونسي اكتسب شهرة محلية وعربية وعالمية ، وأصبح أيقونة للثورات العربية بعد أن قام بإحراق نفسه يوم الجمعة 17 ديسمبر عام 2010م ، عندما صفعته شرطية وصادرت عربته التي يبيع عليها الخضروات ، ولم يعش الشاب "محمد البو عزيزي" أكثر من أيام قليلة ليسلِّم الروح صبيحة الثلاثاء 4 يناير ، لكن الثورة الشعبية كانت قد انطلقت عقب حادث الحريق بيوم ، حيث شهدت تونس خروج آلاف المتظاهرين الرافضين للبطالة والظلم والفساد ، الباحثين عن الكرامة والعدالة الاجتماعية ، لتعم الثورات الشعبية عدداً من الأقطار العربية، وتفجَّرت الأوضاع في مصر وليبيا وسوريا واليمن .
ولم يكن الدكتور " المنصف المرزوقي " السياسي والطبيب والمفكر الديمقراطي بعيداً عن تلك الأحداث ، بل كان رمزاً للمعارضة القومية ضد نظام "بن علي" لذلك كان هو الأنسب دائماً لتشريح ثورات ما يسمى بالربيع العربي – رغم أنها لم تكن في الربيع – التي ألبسها الغرب هذا الثوب تيمناً بربيع براغ في 1967م.
قاعة الشارقة امتلأت في ليل الخرطوم الشاتي ، وعلى المنصة الرئيسة توسط الدكتور "المرزوقي" البروفيسور "علي شمو" رئيس مجلس أمناء جائزة "الطيب صالح" العالمية للإبداع الكتابي ، الذي جلس على يساره الدكتور "خالد فتح الرحمن" السفير والأديب والإبن المقرَّب للراحل الأستاذ "الطيب صالح" ، بينما جلس على الصفوف الأولى رموز ثقافية وإعلامية وصحفية وخبراء أمنيون قدامى ومحدثون ، وأكاديميون وأساتذة جامعات ، وامتلأت القاعة على سعتها بطلاب العلم وبعدد من أعضاء الجالية التونسية في السودان ، وأساتذة جامعات من مصر الشقيقة ، وفضوليون جذبهم بريق الدعوة وإسم المتحدث .
كان إلى جواري شاب يحمل إسم “الشريف حسين” وحسبت بادئ الأمر أنه من أسرة إتحادية إن لم يكن من آل “الهندي”، لكنني اكتشفت أنه إبن قطب حزب الأمة المعروف “الحلاوي” الذي كان ينتسب ذات يوم إلى الحركة الإسلامية قبل أن يعود لحزبه القديم من جديد ، وكنت قد تناقشت مع جاري الشاب المثقف حول ثورات ما يسمى بالربيع العربي ، وأبديت وجهة نظري ، مشيراً إلى ما تسببت فيه من فوضى مدمرة لم تنج منها سوى تونس ، ومصر ، وقد إختلف معي الشاب الثائر إختلافاً يحمل في طياته الرأي الآخر ، وكان مدهشاً أن يكون حديث الرمز الثوري – الدكتور “المنصف المرزوقي” قريباً للرأيين ، إذ يرى رئيس تونس السابق إنه لا يستطيع أن يتنبأ بمآلات الثورات العربية ، لأنه – لا هو ولا غيره – استطاع أن يتنبأ بها قبل انطلاقتها ، وقد وصفها بالبركان ، وهو الآن لا يستطيع الحكم عليها بالنجاح التام أو الفشل الكامل ، فهي من وجهة نظره نصف فاشلة ، ونصف ناجحة ، وقدم شرحاً موضوعياً وتحليلاً منطقياً لمعنى النجاح المتمثل في الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية القابضة ، وتفسيراً لما ذهب إليه من فشل هذه الثورات ، لأنها لم تستطع كبح جماح الفوضى ، ولم تؤسس لأنظمة سياسية مستقرة.
جاءت مداخلات عديدة وثرة ومفيدة من بينها مداخلة للصحفي الكبير الأستاذ “محجوب عروة” الذي أشار إلى أول لقاء له بالدكتور المنصف المرزوقي” في أديس أبابا، عند أول مشاركة له في إجتماعات القمة الأفريقية ، وكيف كان بسيطاً وغير محاطاُ بالجلاوزة والحرس الشديد ، بعكس بقية الرؤساء ، وكنت من ضمن الصحفيين الذين شاركوا في تغطية تلك القمة ، وكنت شاهداً على حرارة الإستقبال والتصفيق الذي قوبل به رمز الثورة التونسية وهو يدلف إلى قاعة المؤتمر .
Email : [email protected]
*بُعْدٌ .. و .. مسَافَة* *مصطفى ابوالعزائم* *ثورات الربيع العربي بالخرطوم* أرجو أن يسمح لي القارئ الكريم أن أستعيد ذكرى طيبة من قبل نحو خمس سنوات ، ورأيت أن أشرك القارئ الكريم معي في هذه الذكرى ، فقد جاءتني دعوة من جهتين عظيمتين في الخامس عشر من فبراير عام 2017 م لحضور ندوة سياسية (نوعية) عن مآلات وآفاق ثورات الربيع العربي ، الأولى كانت من شركة زين للاتصالات ، والثانية من مجلس أمناء جائزة “الطيب صالح” العالمية للإبداع الكتابي ، ضمن فعاليات الدورة السابعة للجائزة ، وقد حرصت على تلبية الدعوة حرصاً شديداً ، ليس بسبب أصحاب الدعوة فقط – وهم فوق العين والرأس – بل كان هناك دافع أساسي ، وهو أن المتحدّث فيها هو المفكر والسياسي التونسي الدكتور “محمد المنصف المرزوقي” وهو الرئيس الثالث للجمهورية التونسية ، بعد الرئيسين ” الحبيب بورقيبة ” و ” زين العابدين بن علي” وإن كان هناك رئيس مؤقت للجمهورية شغل منصبه السياسي التونسي ” محمد فؤاد المبزّع ” بعد خلو المنصب بهروب الرئيس “زين العابدين” خلسة في أعقاب ثورة شعبية عاتية ، نتجت عن وفاة شاب تونسي اكتسب شهرة محلية وعربية وعالمية ، وأصبح أيقونة للثورات العربية بعد أن قام بإحراق نفسه يوم الجمعة 17 ديسمبر عام 2010م ، عندما صفعته شرطية وصادرت عربته التي يبيع عليها الخضروات ، ولم يعش الشاب “محمد البو عزيزي” أكثر من أيام قليلة ليسلِّم الروح صبيحة الثلاثاء 4 يناير ، لكن الثورة الشعبية كانت قد انطلقت عقب حادث الحريق بيوم ، حيث شهدت تونس خروج آلاف المتظاهرين الرافضين للبطالة والظلم والفساد ، الباحثين عن الكرامة والعدالة الاجتماعية ، لتعم الثورات الشعبية عدداً من الأقطار العربية، وتفجَّرت الأوضاع في مصر وليبيا وسوريا واليمن . ولم يكن الدكتور ” المنصف المرزوقي ” السياسي والطبيب والمفكر الديمقراطي بعيداً عن تلك الأحداث ، بل كان رمزاً للمعارضة القومية ضد نظام “بن علي” لذلك كان هو الأنسب دائماً لتشريح ثورات ما يسمى بالربيع العربي – رغم أنها لم تكن في الربيع – التي ألبسها الغرب هذا الثوب تيمناً بربيع براغ في 1967م. قاعة الشارقة امتلأت في ليل الخرطوم الشاتي ، وعلى المنصة الرئيسة توسط الدكتور “المرزوقي” البروفيسور “علي شمو” رئيس مجلس أمناء جائزة “الطيب صالح” العالمية للإبداع الكتابي ، الذي جلس على يساره الدكتور “خالد فتح الرحمن” السفير والأديب والإبن المقرَّب للراحل الأستاذ “الطيب صالح” ، بينما جلس على الصفوف الأولى رموز ثقافية وإعلامية وصحفية وخبراء أمنيون قدامى ومحدثون ، وأكاديميون وأساتذة جامعات ، وامتلأت القاعة على سعتها بطلاب العلم وبعدد من أعضاء الجالية التونسية في السودان ، وأساتذة جامعات من مصر الشقيقة ، وفضوليون جذبهم بريق الدعوة وإسم المتحدث .كان إلى جواري شاب يحمل إسم “الشريف حسين” وحسبت بادئ الأمر أنه من أسرة إتحادية إن لم يكن من آل “الهندي”، لكنني اكتشفت أنه إبن قطب حزب الأمة المعروف “الحلاوي” الذي كان ينتسب ذات يوم إلى الحركة الإسلامية قبل أن يعود لحزبه القديم من جديد ، وكنت قد تناقشت مع جاري الشاب المثقف حول ثورات ما يسمى بالربيع العربي ، وأبديت وجهة نظري ، مشيراً إلى ما تسببت فيه من فوضى مدمرة لم تنج منها سوى تونس ، ومصر ، وقد إختلف معي الشاب الثائر إختلافاً يحمل في طياته الرأي الآخر ، وكان مدهشاً أن يكون حديث الرمز الثوري – الدكتور “المنصف المرزوقي” قريباً للرأيين ، إذ يرى رئيس تونس السابق إنه لا يستطيع أن يتنبأ بمآلات الثورات العربية ، لأنه – لا هو ولا غيره – استطاع أن يتنبأ بها قبل انطلاقتها ، وقد وصفها بالبركان ، وهو الآن لا يستطيع الحكم عليها بالنجاح التام أو الفشل الكامل ، فهي من وجهة نظره نصف فاشلة ، ونصف ناجحة ، وقدم شرحاً موضوعياً وتحليلاً منطقياً لمعنى النجاح المتمثل في الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية القابضة ، وتفسيراً لما ذهب إليه من فشل هذه الثورات ، لأنها لم تستطع كبح جماح الفوضى ، ولم تؤسس لأنظمة سياسية مستقرة. جاءت مداخلات عديدة وثرة ومفيدة من بينها مداخلة للصحفي الكبير الأستاذ “محجوب عروة” الذي أشار إلى أول لقاء له بالدكتور المنصف المرزوقي” في أديس أبابا، عند أول مشاركة له في إجتماعات القمة الأفريقية ، وكيف كان بسيطاً وغير محاطاُ بالجلاوزة والحرس الشديد ، بعكس بقية الرؤساء ، وكنت من ضمن الصحفيين الذين شاركوا في تغطية تلك القمة ، وكنت شاهداً على حرارة الإستقبال والتصفيق الذي قوبل به رمز الثورة التونسية وهو يدلف إلى قاعة المؤتمر .Email : [email protected]
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.