( دار المكرمات).. سرايا الشريف الهندي،، بقلم : أبو شامة حسب الرسول
لم تكن يوامات داراً عادية ولم تكن دار لحظات قصار يقضي فيها المرء شأنا من شؤون دنياه ويغادر ولا ينبغي لها ذلك ولم تكن فقط حوائط طوب ورمل واسمنت فكل الدور كذلك وكل البيوت متشابهات .
هي فسيحة قبل أن تنشاء بازمان ، حلت علي أرضها البركات ومراحب الفيوض إعداداً لصاحبها فخطوه ثقيلة المهابة ، قوية سنابك خيله ذو صولجان فأرضه غابها لم تزل غضة بِكر في نواة تكويناتها الأولى براعماً وعشبٌ طرير يعلوه الندي مع نسيم الصبا في مدارج الصباحات الفسيحة وأطيار تجاوب اغصانها سجعاً وأغنيات ، ونحلات طائفات توزع القبلات وتطبعها مع الرحيق على ثغور الورود ونُوّار الطلح المزهرات.
نقطة ضوء في أرض فلاة ، ظهرت في زمان سحيق إلّم تكن منذ الأزل ، بؤرة نور يراها من تلطف عليه الله بفيوض النظرات الغيبية ، كما رآها من قبل سيدي ( ود بدر ) من قبل ميلاد سيدي صاحب المقام بمئتين من الأعوام ونيف وآيتها عندما كان يسير في نواحيها قاطعا وهادها حيث يريد عند نزولهم من المراكب بعد عبورهم لُجّة ( العاديك ) إكراما لصاحب الأرض الذي لم يولد بعد وذلك هو وحيرانه ومحبيه وهي لم تزل غابةٌ من الشجيرات وباسقات السنط والطلح تستوطنها الأفيال وقطعان الغزلان يقطعون رحيب بقعتها حفاة يحملون ما انتعلوه في أيديهم رغم مابأرضها من حسك وأشواك وهوام إكراما سابقا لمن هو في رحم الغيب ، فهم اهل الكرامات وحفظة المقامات.
اتي صاحب المقام ومكث في بادئ الأمر غير بعيد بعد أن ضيق عليه غاصب الأرض في مكثه الأول حتى يكون قريبا مخافة الثورات، فهو فتاً ذو بأس متمرد على حكمهم توّاقاً لإستقلال بلاده فصال فيها بخيله وسيفه وله من الحمى والمنعة درعين حاملاً لراية آل بيت النبوة ولوائها اميراً لها مع ألوية المهدية مشاركاً في معاركها ، رافداً بنيها بدور الخريجين مغدقا عليهم الأموال لتسيير الحركة الوطنية ومعيناً لهم علي عقباتها الكؤود قافزاً بقلمه الوثّاب وفكره الوقاد لإثراء الحركة السياسية والادبية ومنشئاً لأول جريدة في البلاد ، حافراً الآلاف من آبار السقيا موطناً فيها كل من كانت حياته نشوقاً وترحال ، حافظاً لعهد جده الكريم متقرباً له بأمداح الشطوحات واصلاً له بالسفائن والموالد والمحامد وامداح النغم والتغزل والإسهاب في ذاته صلوات ربي وسلامه عليه بعصيات أشعار الحب والشوق وخرائد العشق الملهمات ، وقصص ومنثورات جمعت الخبر والتاريخ والخواطر وطرف وملح ونوادر ومحكيات عن الثقافات وأشعار البادية من فخر ورثاء وبطولات ، رغم ذلك لنا في معرفته القليل وقد إستعصم عن أهل الفتوحات الراسخون فكيف لنا ونحن مانحن عليه من علل وتثاقل وهمم فاترات متمكنة من قيادنا أعنة بهارج الدنيا وزخرفها الكزوب .
مكثه لم يطول في داره الأولى فإرتحل حيث محل حلول البركات فقد إختارتها له يد العناية وهو لم يزل روحا لم تتمظهر وتسكن شبح الجسوم بعد فهو قديم قِدم جدِه صاحب الصلاة ذي الطول فأُمِرنا فصلينا عليهم أجمعين .
لم يكن حديث سيدي محي الدين بن العربي او فعل سيدي ( ود بدر ) وقوله فقط هو ما بلغنا بل ثلة من الأولين وقليل من الآخرين الفائزين حين جدوا السُري وحمدوا المسير في درب البشارات عن سيدي فلم يكن حديث منجمين ولم يكو كذلك اضغاث أحلام فهو حديث العارفين الغارقين في لجج التأمل الناظرين من شرفات المكاشفات المنتظرين في بهو ديوان الحضرات ، فخرج علينا إبن العربي بجوهرته الفريدة ( عنقاء مغرب في أحوال المشرق والمغرب) متحدثاً عن سيدي وعن فضله بإسهاب وإن حجبّه وطلسمه مخافة فضح الأسرار فجعله مكاشفات لكل ذي لب وبصيرة ، وعوام الناس امثالنا في سكرتهم يعمهون فهو كتاب خواص أخفاه بمراوغات الكلِم دون أن يُحرَّفه عن مواضِعه وبينهما من الزمان قرابة الالف عام مما نعد ونحسب ، فالذي كاشف إبن العربي وخبّره عن فضل ( ود الهندي) قبل أوانه وسلطانه هو من انبأء صاحب الفضل عن مكان داره فهي ( بقعة ضوء).
هل انتي من الروم أم توتي والخرطوم
من حسنك المعدوم أصبحت كالمسموم
قالت فما أنا من توتي….. أو هنا
بل جئت من مِنى والشِعب….. الأيمنا
قت ليها مرحبا بالأرض…….الطيبا
أرض المُحصّبا والبيت …..والنبا
فإنقادت بفضل الله وحوله وقوته إنقياد الطائع بخطام اللطف والإقبال لا سلاسل التكبيل والتحجيم فهي ليست كارهة فكان سوق حب وشوق والطاف وتلطف ورضي كما إنقادت قبلها طائعة أراضىٍ وسماوات .
كذلك عارفي فضله كثيرون فمنهم من صمت لضيق العبارة بسبب هول ما رأي من كمالات ونوالات وهبات ، ومنهم من فتح الله عليه كل على قدر سعته وماعونه وما يحتويه وليس بعيدأ عنا ذلك الشيخ الذي عرفناه من خلال قصيدته البكر العروب في حق صاحب المقام وغاب عنا اسمه ورسمه ونعته وقبيله فهو (غير معروف) لكنا رغم ذلك قد عرفناه حين قال:
لولا الذي نزلوا بُري لما همِلت
عيناك صمتين من در
ولولا صدى صوت رخيم لما شجا
فؤادك تغريد البلابل في الفجر
سقا الله ارضاً ضمت الحب رحمةً
وأرخت عليها المزن وبلاً من القطر
فعرج على سيدي وقال :
حببت ابا حفص وعثمان بعد أن
تضلعت من حب الإمام ابي بكر
وتيمني حب الذي جاء حبهم
كتاب من الرحمن نتلوه في الفجر
عليٌ اخو الهيجاء وفاطم زوجه
وسبطا رسول الله جوهرة النحر
ونجم بني الزهراء يوسف من رقا
إلى المجد طفلاً وامتطا قنن الفخر
ثم أصر إصراراً شديدا على كشف المقامات ولكن هيهات حيث قال :
هو الجوهر الفرد الذي قد تعددت
مزاياه فضلاً وهو فرد بلا كسر
وآراؤه مذ كان يقدح زندها
تضيء كبدر التم في المِحفل الوعر
محكمة التسديد يسفر نورها
كما إشتبكت زهر النجوم مع البدر
إلي ان قال :
فتاً يصنع المعروف لا لإكتسابه
ثناءاً ولكن طبعه صنعة البر
هو القطب وإبن القطب والقطب جده
فلا زرة في السر من دونهم تسري
حنانيك يافرد الأعزة إنني
رهين إمتداحٍ فيك بالنثر والشعر
ولا غرو أن يهدي الي البحر جوهر
فإن لنا سبحاً بمثعنجر البحر
فدونكها بكراً عروباً تسربلت حياءً
وتبغى الوصل من سيد حر
فأهداها بعد أن جملها عروساً مخدورة وارسلها له وهو طامع في الرضا ونيل المكرمات :
فخذها يا ابن الوصي منعماً وعش
ماتغني ساجع الروض في الزهر
أهداها بعد زكر حوجته كشيخ طاعن لشابٍ غض الإهاب فناجاه وطمع وعشم لإدراكه ان باب من يطلبه لم ولن يرد منه احد :
فيا يوسف الهندي قد أتى لبابك
شيخ يستجير من الدهر
وما جئت إلا واصطفيتك سيداً
لإدراك ما قد فات في أعظم العمر
رغم ذلك استدرك أن من يناجيه بعيد سبر غوره :
بعيد عن الاطناب مدحي له كما
يقول به مثلي وبر وذو فجر
صدقناه بعد ان أردفها نجله سيدي ومولاي ( بحر الرُضا ) بِأُخرٍ متشابهات :
نور الهدى للقاصد
يالفقت القبيل ولي ثمارم حاصد
ارشدني ليك أنا راصد
سر النهي يانور هداء السامد
يا جالي الصدأ حد العدا والعاند
يا البيك البها وخاتي الدها ماك حاسد
قلبك ما سهى ودوماً إلاهو مشاهد
هيجان الحي المنك منابع الوارد
بتيلادك تجود وتأسو لي كل هامد
بي أسرار علومك وبي نوالك جايد
بالخير والرشاد وبطرق قاصدك عايد
اعداك في نقاص وأنت دوماً زايد
بالتقي والندي سدت لكل من سايد
أبيض مفارق الفي زمانك واحد
يا باسق الفعال ماضي العزيمة ماجد
تايب من ما نشيت ولي إلاهك حامد
للأسياد تسود تقوى وعلوم وعقايد
الشهم المدل الباسل المتواجد
لي نوب الزمان ولكل خطباً رايد
مهما جدت القريض وخواطري لي تساعد
قربي لدركم وصفك أراه متباعد
رضاء الله على الهندي دواما خالد
يوصل في حماه ولذات سيادتو يقالد
الصديق اتي يمدح جناب الوالد
يرجابو مقام على كل مقاماً تالد
فسيدي ( صاحب المقام ) عصيٌ عن الإدراك والأفهام فهو خلق من خلق وصنع الله العظيم وألطافه الخفية فله الحمد والمنة .
(دار المكرمات)
هي دار عمرها صاحبها وبناها كما ارادت هي أن تكون فهي في حضرتهم مخلوق يحس ويشعر فحكّمها وأحكم اركانها وربط لبناتها وأقام سقوفها وسجوفها وجعل في جوفها كل غريبة وفي اطنابها مجلى لكل عجيبة من جمال ولطافة وتلطف وإحسان فالجلال فيها محجب إلا بحسبان فكل من دخلها وغاب عنها زاب فهو لها في شوق ولسان حاله :
كيف حال العشوق حال البنالكم جنة
في جوف القلوب حيطانا بِر ومحنّة
فخرجت للناس قشيبة رحيبة موطئة اكنافها تحوي في طي دثارها الوضيء المكرمات والمروءات والندي.
روضة داخلها روضة من رياض الجنان ، متسع فسيح السوح والسماء لكل من ضاقت عليه دنياه ، سواءٌ العاكف فيها والباد وإبن السبيل في الحضر والسفرية والطبابة لكل مريض ولذوي العلل المستطيلات وكلٌ يسعي لحاجته ، يدخلونها قانطين مثقلين بهموم الدنيا ورزاياها فيغادرونها خفافاً كزغب الأطيار ليس لها هم فصاحب المقام خبير بطب القلوب
عُريباً لهم في كل حي اشراك
يصتادوا القلوب بالبعد عن إشراك
قصدها عوام الناس قبل خاصتهم ، طلب ودها اولياءً لله ظاهرة كراماتهم لحوز فضيلة ونيل مزية أو لرقي الدرجات
هُمامٌ بنو العلياء تحت لوائِه
وأيهموا رئيس مُطلق النهي والأمرِ
( العاديك)
وما ادراك ما العاديك :
حضنتك الأملاك في جنة الخلد
ورقت على وضيء عُبابك
وأمدت عليك أجنحة خضر
وأضفت ثيابها في رحابك
بحرٌ سره كامنٌ فيه تنزلا هو والنهر الابيض من الفردوس كجناحي طائر أخضر الريش فكانت الجنان لهم منبع فكيف بقاطنيه الشاربون من رحيقه المختوم قبل الماء فحق عليهم قول سليل ملوكٍ ملكوا
واديٍ من السحِر أم ماءٌ وشطآنُ
أم جنةٌ زفها للخلدِ رضوان
النيل من نشوة الصهباء سلسله
وساكنوا النيل سمار وندمان
فكان له من الأسماء الكثير وماذلك إلا لعجائب هذا النهر العظيم فقيل عنه بحر ازرق وقيل النيل الأزرق وقيل العاديك الطوال إيديك وقيل بحر الجنة وبضعة اسماءٍ أُخر لم تسعفني زاكرتي الخربة على إستحضارها ، هذا غير الأسماء التي أطلقها عليه الاحباش بوفرة فهو لغز أعجز الافهام وليس لكشف طلاسمه من سبيل فكيف تراه يا هداك الله حال ( صُلّاح النيل الأزرق ) فسكناهم على دفتيه ليس من فراغ ولكنه بقدر وبديع تدبير فكل من قطن في كنفه طاش بحبه وكل من غادره مسه الإلتياع وكواه
عزيمة النيل تفنى الصخر فورتها
فكيف إن مسه بالضيم إنسان
عصب النور يشبك بعضه ويشد ضدانه بإئتلاف بين جسد أصله الماء وروح أصلها سر في خبيئة مكنون الوجود العظيم ، فهو بحر لايشبه غيره بل لا يشبه الا نفسه فهو بحر( العاديك) لذلك أولياء الله فيه صلاحهم نادر وولايتهم حاضرة قائمة وحضرتهم بازخة تحفها مراحب خاتم الرسالات وتحتويها عبائته ويزينها من جماله تاج ، وكيف بمن كان على زروتهم وسنامهم ( قاطن بري غرب النيل) فهو منيع الجناب وهو سيدي (صاحب المقام ) .
كان سقف رصاص ثقيل
تساقط علي المدينة والناس
اعتراها ما اعتري وطنها من مرض وعلة من علل العسكر الثقيلات بتركهم مايعنيهم لهثاً وراء الموبقات ومن خلفهم أصحاب اللحية الزيف يزحفون وراء كل دسيسة ويسعون خلف كل منقصة إستعداداً لموسم الحريق الكبير وهم لكير نيرانها نافخون وللغرابة هم أول محترق بها فكانوا أُس البلايا وصانعوا الرزايا ولم يحفوا أوطانهم بالرعاية والتلطف وإسبال ستور الأمان على هذا الوطن المعطاء الولّاد فأبناءها الأحرار حرمهم منيع ومادون ذلك مايحدث الآن فهو خصماً علي بلاد النور وأهلها وقاطنيها ، فهم اهل مكرمات وماحدث لا يشبههم في شيء لكنها (العسكر مأجورة) ولكن الي حين فبنيك لكِ راعون وسيبلون بلاء الجدود في صون غابك .
ديل أولاد حشاك لا إرتزاق لا زيف
وديل الرضعو حُر لبنك بدون تحريف
ودبل البقعوا في نارك بدون تكليف
وديل بفدوكِ بارواحهم نقيب وعريف
وديل ديم السواري الأصل ما بتقيف
وديل نيلك وكت قطع البرك والقيف
وديل دفقة ينابيعك شهور الصيف
وديل يا أُم ………….
عيونك وقلبك الوليف
مثلما كنا عمالقة يصفدون عتاة المردة والشياطين وكان غيرنا نائم متقوقع متقزم
لنا أوبة تدهش كل من القى السمع وهو شهيد
طاف الكري بعيون العاشقيك
فعادوا منك بالأحلام
ما للعراجين تطواحٌ
وليس لأطيار الخليج بغام
النبع أغفي
وكل الكائنات نيام
إلا أنا والشذي
ورماح الحارسيك
قيام
لم يكن يوما للروح أثمان فهي عند الله غالية فهدم الكعبة المشرفة اهون عند الله من قتل نفس فكيف مادون الكعبة من بناء ، ففقدنا عظيم في أهلنا وأحبابنا الذين قضوا فهم أغلى من سقف هوي وأثمن من جدار تهدم فنحن راضون بأقدار الله وقضائه ومستبشرون بخير كثير فألطاف الله ظاهرة ، سنقيمها دارنا كما كانت ونعيدها سيرتها ومانفتاء نطلبها بشوق إليها وحنين كحنين الإبل الرازمات
نخوض بها متن الدُجّنةِ في الفلا
كأن خُطاها في البسيطةِ وابلا
وقد نفرت كل المواردِ والكلا
وآلت الي صومٍ الي حين تنزلا
بأرضٍ بها جبريلُ ينزل بالنصِ
فكما لجبرائيل أرض لتنزيل البشارة والنزارة ، لنا في أرض صاحب المقام مشارب ومحبات كثيرات وسعة من كل ضيق وسكينة في سوحها وحبور في كنفها ورواء وتضلع سقيا من زمزمها وشفاءٌ وغسل ران وطهور وتجارة لن تبور وفي حلقاتها حُسْنَ سِماع وإختلاج شعور وإستواء نفوس ، فلنا فيها كل نفيسة فالرب واحد والحبيب واحد والدين واحد والنور واحد والبركة واحدة وصاحب المقام واحد وإن تجلى في بنيه والطريق واحد والوصول أيضاً واحد .
من الزمن الكئيب وناسه
لذنا بنورك
ومن شح النفوس
ودائها المودي
لنا بجمالك إستعصام
ولا إله إلا الله
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.