هناك فرق.. كل ذلك لم يكن كافيآ.. منى أبو زيد
في حياة كل إنسان لحظة لا تعود الحياة بعدها كما كانت قبلها” .. د. أحمد خالد توفيق ..!
عندما بدأت الحرب في سوريا كنت أقيم في السعودية وأعمل بإحدى المؤسسات الصحفية هناك، وكانت أخبار القتل والخراب وحكايات الأسرى الذين لا يعودون ثم تاتي أخبار مقتلهم رائجة بين زميلاتي السوريات اللاتي أذكر أن إحداهن قد تم أسر خطيبها فبقيت بانتظار عودته لسنوات وكتبت له مئات الرسائل التي كانت تعلم أنها لن تصل إليه ..!
ثم بعد مرور بضع سنوات – كنت قد عدت بعدها إلى السودان – تعثرت بخبر تأكيد مقتل خطيبها في معتقله فبكيته وكأنني أعرفه، وهاتفتها معزية ومواسية. ولكن ذلك لم يكن كافياً ..!
ثم مرت السنوات وكنت في زيارة عمل لمدينة غازي عنتاب التي تقع جنوب تركيا بالقرب من الحدود السورية، والتي كانت تزدحم – وفقاً لذلك – بأسر اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم..!
وهناك قابلت أسرة زميلي السوري واستمعت إلى حكايات مؤلمة عن أهوال الحرب في سوريا، ورأيت بأم عيني – عبر مقاطع فيديو شاركتهم مشاهدتها – مدن بأكملها احترقت مبانيها جراء القصف الجوي فتحولت إلي أطلال..!
في الطريق إلى الفندق كان سائق التاكسي يشير نحو بعض الأسر السورية التي كانت تسير في الشارع وهو يصيح متذمراً من تدفقهم إلى المدينة وهو يتحدث بلغة عربية ركيكة، فرمقتُه باحتقار صامت وتخيلتُ نفسي مكان هؤلاء المساكين فسرت رجفة في أوصالي ودعوت الله لأجلهم. ولكن ذلك لم يكن كافياً ..!
ما زلت أذكر صديقتي “ياسمين” الصحفية السورية التي التقيتها في إحدى دورات معهد الجزيرة للإعلام بالدوحة، وحديثها عن رحلة هجرتها المضنية إلي ألمانيا مروراً باللحوء إلى مدينة غازي عنتاب لفترة من الزمن. وما زلت أذكر كيف تأثرت بشدة لوقوع بعض التفاصيل في حكايتها المحزنة. ولكن ذلك لم يكن كافياً..!
ولا أنسى زميلي “حسين” الصحفي اليمني الذي التقيته في دورة تدريبية أخرى بذات المعهد فحدثني عن أسباب وظروف الحرب في اليمن. لن أنسى حديثه المشفق على السودان من احتمال وقوع هذه الحرب، والذي كانت معظم الظروف تصر على جعله قائماً. وكيف كتبتُ في تلك الأيام عن تلك المخاوف. ولكن ذلك لم يكن كافياً..!
أما لماذا لم يكن كل ذلك كافياً فلأن من رأى ليس كمن سمع، ولأن كثرة الاحتكاك بإخواننا العرب – وسعة اطلاعنا على قضايا دولهم ومشكلات مجتمعاتهم بوازع من إصرارنا على التمسك بعروبتنا الثقافية – قد شغلتنا على الرغم من أهميتها وأبعادها الإنسانية الزاخرة عن الاتجاه في دواخلنا غرباً والانعطاف في دواخلنا شرقاً..!
الإصرار على لحمتنا الثقافية العربية من أجل تأطير الهوية أقعدنا عن الاحتكاك ببعضنا الآخر وشغلنا عن الاطلاع على قضايا ذلك البعض والاهتمام بمجريات واقعه التي كانت أيضاَ حرباً أهليه يعيث فيها ذات الجنجويد ذات الخراب، لكننا لم نتعامل مع أهوالها بالقدر اللازم من الانخراط والانصهار والمسئولية..!
على الرغم من وحدة الأرض وشراكة المواطنة، وعلى الرغم من تشابه الخيوط التي تنسج واقعنا وملامح التهميش ومظاهر الخضوع لذات المركز الذي يحكمنا ظللنا غرباء وبقينا آخرين، قبل أن يجمعنا منعطف الثورة. لكن ذلك – أيضاً – لم يكن كافياً..!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.