السفير عبد الله الأزرق يكتب: هوامش على مؤامرة إيقاد
من المعلومات التي يعرفها القليلون أن “السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر”
The Intergovernmental Authority on Development (IGAD
كانت مقترحاً سودانياً خالصاً، بادر بصياغة مشروعه السفير عمر بريدو وكيل وزارة الخارجية الأسبق .
وبحكم كونها مشروعاً سودانياً كان مخططاً أن تكون الخرطوم مقرها، إلّا أن جيبوتي التمست من السودان أن يتنازل لها لتصبح هي المقر، وبالسماحة السودانية المشهودة والمعهودة تنازل لها السودان.
وما كان متوقعاً أن تصبح الإيقاد – التي صنعناها – لنا عدوّاً وحَزَنا، كما استبان اليوم (10 يوليو 2023) في اجتماعها باديس أبابا.
وفي اجتماع اليوم للجنة الرباعية للإيقاد الذي كشفت فيه المنظمة الإقليمية عن سوأتها، غاب كل رؤساء الدول الأعضاء، بما في ذلك رئيس الدورة الحالية (جيبوتي) عدا رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد علي، ورئيس كينيا وليام روتو.
وكان قرار السودان بالغياب عن الاجتماعات قراراً صائباً، نظراً لعدم احترام رأيه في رئاسة اللجنة الرباعية، والإصرار على الإبقاء على وليام روتو رئيساً.
وقد بنى السودان قراره حول روتو، لما يعلمه من تواطؤ روتو مع حميدتي جراء الاستثمارات التي تجمع بينهما، وكذلك لمعرفته بأن حميدتي هو من مَوّل بماله الحملة الانتخابية لروتو والتي قادته للرئاسة. وكانت نتيجة فضح هذا التمويل في الإعلام الكيني المظاهرات ضد روتو التي انفجرت في كينيا الآن.
ولأن العالم لم يعد قرية عالمية Global Village نتيجة لانتشار وسائل الاعلام الجماهير كما وصفه عالم الإعلام الكندي مارشال ماكلوهان Marshall McLuhan في عام 1964، وإنما استحال إلى Global Room في زمان السوشيال ميديا، فقد فجرت تغريدة صغيرة بالإنجليزية كتبتها السفيرة سناء حمد عن فساد روتو مع حميدتي، نقلتها الوسائل وانتشرت في الإعلام الكيني، ففجرت غضب الكينيين ضد روتو وفساده، فغَصّت بهم شوارع المدن الكينية احتجاجاً هذه الأيام.
ولأن روتو لم يُسعفه الحياء للتخفي عن فساده، لم يستح أن يحضر كرئيس للرباعية، ليُنجي قيادة الدعم السريع وحلفاءهم القحاتة، بل وأن يستعيد لهم مجداً ومقاماً سياسيا أفقدتهم إياه جماهير السودانيين لفظائعهم. ولذا تجرأ فقال:
“الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل قيادة جديدة تكون قادرة على إخراجه من الكارثة الإنسانية” متناسياً ضجيج المتظاهرين الجوعى في نيروبي على فساده!!
وقال أبي أحمد: “السودان يُعاني فراغاً في القيادة، ويجب ألّا نقف مكتوفي الأيدي، فالعواقب وخيمة عليه وعلى المنطقة”!!
وهذا بدوره تناسى محارقه في إقليم التقراي وتجويعه لأهل مكالي، حتى قضو؛ وتناسى تقتيله للألوف بما في ذلك قياداتهم (سيوم مسفن وآخرين) قتلهم غِيلةً؛ ومنعه المنظمات الإنسانية من دخول بلاده!!
ولعل موجدة أبي نبعت من تأديب جيشنا له في الفشقة؛ ولعله يريد المزايدة على مصر التي ستنظم مؤتمر لدول جوارنا.
وفي كل الأحوال فهو يهتبل السانحة لإضعاف السودان تحوطاً وعملاً بمبدأ: “كل جار هو عدو محتمل”؛ ومطامعه في سهولنا الشرقية لن تنقطع، يمالئه بن زايد وتمالئه إسرائيل، وهذا مشهود مرصود.
ويتحدث الإثيوبيون عن إهلاك حميدتي مالاً لُبَدا على أبي أحمد ومن حوله، دع عنك استثماراته وشراكاته معه.
بديهي أن من ينتدب نفسه لحل مشكلة أو وساطه بنزاهة يبتغي الإنصاف should come with clean hands. فأين أبي وروتو من هذا؟؟!!!
بل أين شركاؤهم الآخرون من هذا؟؟!!!
هل لاحظت عزيزي أن كلا أبي وروتو تحدثا عن القيادة؟؟
وهذا حديث من يسعى لتنصيب قيادة بمعاييره.
اكتظت قاعة الاجتماع بالخواجات وممثلي دول الإقليم، يبغون تحويراً لأهداف الإيقاد من التنمية إلى أداةٍ سياسية يحققون عبرها إركاع السودان وتمكين قحت ومتمردي المليشيا.
لذا لم يأتوا على ذكر فظائع قحت والمليشيا في القتل والنهب والاغتصاب. وغضوا الطرف عن جحافل المرتزقة الذين ظلوا ينسلون من كل حدب في أفريقيا الغربية؛ وساووا بين جيش وطني وفئة تمردت عليه، بل ألصقوا به جرائم الغزاة ظلماً وعُلوّا.
يعرفون أن من نهب الدبلوماسيين ومقار بعثاتهم هم الجنجويد، لكنهم لا يسمونهم!!!
لم يكن المجتمعون أمناء حين أشاروا لغياب السودان، دون الإشارة لأسباب ذلك الغياب.
ولم يكونوا أمناء وأهل نزاهة حين أخفوا المتدخلين في شأننا، وهم يعلمون أن كثيراً من الحضور يأجج نار الحرب، ويعرفون من يمد المتمردين بالسلاح والعتاد عبر جسر جوي يهبط في أم جرس، فلا يذكرونه ولا يدينونه!!
أين كانت إيقاد وشركاؤها الغربيون والخليجيون حين دمر أبي أحمد إقليم التقراي وأحال أهله للاجئين في السودان وارتكب المجازر فيه؟!
ولماذا لم يشجبوا منعه المنظمات الإنسانية وخروقاته لحقوق الإنسان، هذا علماً أن جيشنا بريء من أمثال كل هذه الجرائم.
ومما يثير القلق فعلاً أنهم نظروا للسودان كما كان الحال في الصومال يوم أن تبخرت فيه الدولة، فقرروا تكرار تجربة إدخال قوة EASF في السودان.
وطالبونا بإخلاء الخرطوم من سلاح جيش الدولة وحظر الطيران !!
ولم يخاطبنا البيان كدولة، ودولة ذات سيادة!!
ولو أنهم أدخلوا قوة شرق افريقيا EASF عُنوَةً – بالتناقض مع اتفاقية تشكيلها – فهذا لن يترك الساحة في مواجهتها للسودانيين وحدهم، بل كأنهم يدعون المتطرفين كالشباب الصومالي وداعش (كما حدث في الصومال) للزحف نحو السودان بما يزيد الطين بِلّةً.
السودان دولة مؤسسة للاتحاد الأفريقي، وهو من بادر بتأسيس الإيقاد.
والقوة المسماة East Africa Stand by Force واحدة من خمسة أفرع في القارة تتبع لمجلس الأمن والسلم الأفريقي. وكان السودان أكبر مموليها قبل تدخل الأوروبيين.. وبنص اتفاقية تشكيلها لا تستطيع أن تتدخل دون موافقة الدولة المعنية.
أما ما ذكروه عن التدخل الإنساني، فهذه من أكبر الذرائع والحيل الغربية لانتهاك سيادة الدول، حيث يجري عبرها دعم وتسليح العملاء وأذرع الشر الغربي، والشواهد على ذلك تترى في جنوب السودان إبان حربنا فيه، وفي دول عديدة أخرى.
لم يسأل أحد في الاجتماع ماذا سيكون رد فعل الدول المشاركة إذا تمردت وحدة عسكرية في بلادها؟؟
ماذا كانت السعودية – مثلاً – ستفعل إذا تمرد الحرس الوطني؟؟
فما بالك وقد استوردت تلك القوة المتمردة مرتزقة من قلب أفريقيا!!!
المخجل أن بيان إيقاد – أسوة بنهج قحت – لم يتحدث عن انتخابات، ولا على أهلية وتعريف من يصفهم بأصحاب المصلحة Stakeholders.
كل هذا الذي جري وسيجري إنما يريدون عبره إحياء الاتفاق الإطاري، وإحياء موات الدعم السريع، وإعادة عملائهم في قحت ليحكموا السودان عُنوة!!
وكل ما جري وما يخطط له لا يقبله إلاّ من باع شرفه وباع وطنه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.