رشان أوشي تكتب “الفاسدون في السودان”
عندما بدأت الحرب في السودان ، اكتشفنا فوراً أن الرصاص والمدافع أرحم الأشياء في الحروب، وأن الوحوش أرحب من الطباع الدنيئة.في عقود سابقة كان “الفاسدون ” في السودان يوصفون بـ”حفنة” التمكين السياسي التي تستمدّ أسباب قوّتها من ولاءها للنظام الحاكم ، بينما في زماننا هذا ، حيث لا نظام سياسي ، ولا هيمنة ايدلوجية ، فقط مجموعة اوجدتها ظروف الخدمة العامة ، ومع غياب الرقابة، حيث لا برلمان ، ولا مؤسسات رقابية ، إنما حالة ظرفية جارفة ومُجمعة على زجّ السودان في المعارك المصيريّة الكبرى.وراء تمدد هذه الفئة ، عوامل كثيرة بطبيعة الحال، لكن واحداً منها أنّ المواطنين المدنيّين لا يُحسب لهم أدنى حساب. فما دام الأخيرون مدنيّين، أي غير مسلّحين، وكانوا بالتالي أضعف من أن يهددوا قوّة الطرف السلطوي ، أو يتحدّوه، جاز المضي في نهج لا يأخذهم بعين الاعتبار، وبالتالي استضعافهم ونهب حقوقهم بكل وقاحة ووجه مكشوف .ذكرنا في الحلقتين السابقتين لسلسة مقالاتنا هذه ،ان بعض منسوبي مؤسسات الدولة تحولوا إلى عصابات أو “مافيا” تستمد قوتها من القانون والسلطة ، وأن معظم المؤسسات الإيرادية المرتبطة بالجبايات ،هي مشاريع ثراء للقائمين عليها ، يقتلعون اللقمة من فم نازح جائع.اليوم نعرض جريمة فساد أخرى ، تضاف إلى سجل الجرائم الحافل.قررت “هيئة الجمارك” ابادة بضائع منتهية الصلاحية بمعبر “اوسيف-ولاية البحر الاحمر “، تم تشكيل لجنة لتنفيذ قرار الإبادة ، والاجراء المتبع في هذه الحالة أن تضم اللجنة في عضويتها كل من ( هيئة الجمارك- الأمن الاقتصادي- المحلية – ضبط الجودة ) ، ولكن الذي حدث ، أن اللجنة تم تشكيلها من منسوبي الجمارك فقط .كانت البضائع المقرر ابادتها حوالي (٣٩٠٠) باكيت مياه غازية، (٢٤٠٠) كرتونة صلصة ، (٢٥٥٤) جوال دقيق، تم جمعها وطمرها في “حفرة” ضخمة ، بدون إتلافها ، ومغادرة المكان ،بدون اتباع الإجراءات المنصوص عليها ومنها شهادة الإبادة .تفاجئ طاقم الحراسة ليلاً بحوالي (٥) اشخاص قاموا بنبش (الحفرة) واستخراج جوالات الدقيق ، وتم القبض عليهم ، وتدوين بلاغ جنائي في مواجهتهم بالرقم (١٣٦).وفقاً للواقع ، لا مبالغة في القول إن السودان مثخن على كلّ المستويات. مؤسساته متهالكة. اعتادَ السودانيون على البرلمان المعطل و حكومة تصريف الأعمال المتصدعة. أما المواطن فقد أصبح الخبز لديه أصعب من ذي قبل، والتوهان يتقدم على كل ما عداه.بينما الرجال ،الرجال يحملون البنادق في الخنادق دفاعاً عن الارض، الهوية والتاريخ ، والفاسدين ينعمون بمخصصات السلطة و يتمرغون في نعيم المال العام .لن تكون الحرب الإعلامية المفتوحة على جبهة الفساد ، نزهة بالنسبة إلى الفاسدين، سنقتص منهم تضحيات المقاتلين في الخنادق ، والنازحين في دور الايواء ، لأنّ مَن لا يكترث لمعاناة الشعب لدى اتخاذ قرار تعطيل الدولة ، لن يكترث بهم عند توسع نطاق الدمار.محبتي واحترامي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.